المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

62

ثمّ يقول (قدس سره) بعد أسطر ما هذا لفظه: العلم الإجماليّ إنـّما يقتضي وجوب الموافقة القطعيّة إذا كانت الاُصول النافية للتكليف الجارية في الأطراف متعارضة(1).

وهذا الكلام وإن كان يقبل التأويل، لكنّ ظاهره يوافق ما في أجود التقريرات، من أنّ العلم الإجماليّ لا يقتضي أصلاً وجوب الموافقة القطعيّة، إلاّ بلحاظ تعارض الاُصول.

هذا، والمحقّق العراقي (رحمه الله) ينظر إلى ما أفاده المحقّق النائينيّ (قدس سره) من كون جريان الأصل في أحد الطرفين مساوقاً لجعل البدل، وحصول الموافقة القطعيّة التعبّديّة، فيقول(2) : إنّ جعل الأصل في المقام مساوق لجعل البدل إن اُريد به: أنّ الأصل يدلّ على جعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع، فهذا غير صحيح، فإنّ الأصل لا يدلّ على ذلك، لا بالمطابقة كما هو واضح، فإنّ مفاده إنـّما هو البراءة عن هذا الطرف، ولا ينظر إلى حال الطرف الآخر، ولا بالالتزام(3) ؛ لعدم حجّيّة المداليل الالتزاميّة للاُصول. وإن اُريد بذلك: أنّ دليل الأصل ـ كقوله: (رفع ما لا يعلمون) الذي هو أمارة ـ يدلّ بالالتزام على جعل البدل في المرتبة السابقة على جعل الأصل، لأنّ المفروض أنّ الأصل لا يجري في هذا الطرف إلاّ مع فرض جعل البدل حتّى تتحقّق الموافقة القطعيّة التعبّديّة، ورد عليه: أنّ الأصل لا يتوقّف على مجرّد جعل البدل في المرتبة السابقة، فإنـّه لا تتحقّق بذلك الموافقة القطعيّة التعبّديّة، بل يتوقّف على وصول جعل البدل في المرتبة السابقة، فيستحيل تحقّق الوصول من نفس دليل الأصل، وبكلمة اُخرى: أنّ دليل الأصل لا بدّ أن يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على أنـّك عالم بجعل البدل، وهذا كذب، فالدلالة الالتزاميّة ساقطة في المقام، فلا يجري الأصل(4).

 


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 13.

(2) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 313 ـ 315.

(3) مقصود المحقّق العراقيّ (رحمه الله) من الدلالة الالتزاميّة في المقام هو أنّ الأصل المرخّص إن كان تنزيليّاً، فكان لسانه لسان أنّ هذا الطرف حلال واقعاً، فقد يقال: إنّ لازم كونه حلالاً واقعاً كون الآخر حراماً؛ للعلم الإجماليّ بحرمة أحدهما، فيجيب عن ذلك بأنّ هذا تمسّك بالأصل المثبت.

(4) نعم، لو كان دليل الأصل صريحاً في جريانه في أحد الطرفين، كان هذا كناية عرفاً