المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

625

دليل المحكوم أصلاً، فإنّ دليل المحكوم ـ عند فرض وجود نظر إنشائي للمتكلّم في موضوعه ـ يدلّ في الحقيقة على قضية شرطيّة: وهي أنّ الشيء إن كان ربا بنظري الإنشائي فهو حرام، والدليل الحاكم يدلّ حقيقة على انتفاء الشرط، ويصبح الدليل الذي يكون من هذا القبيل حاكماً على كلّ أدلّة أحكام ذلك الموضوع وهو الربا مثلاً؛ لأنّه قد كشف لنا عن نظر إنشائي خاصّ لهذا المتكلّم في تعيين مصاديق هذا الموضوع، وهذا يعني تعيين المدلول الاستعمالي لهذه الكلمة: وهي كلمة (الربا) مثلاً في لسان هذا الشخص، فكلّما لا يكون ربا بهذا المعنى لا يترتّب عليه أيّ حكم من أحكامه؛ لأنّه خارج عن المدلول الاستعمالي في كلّ كلمات هذا الشخص المرتِّبة لأحكام على هذا الموضوع.

إلّا أنّ هذا القسم من الحكومة مجرّد فرض في واقع الشريعة، وحمل الأدلّة الموسّعة للموضوع، أو المضيّقة له الواردة في لسان الشارع على هذا المعنى خلاف الظاهر، فإنّ ظاهرها هو صدورها من المولى بما هو مولى وبما هو شارع، لا بما هو مستعمِل ومتصرّف في المداليل اللغويّة والاستعماليّة، فالظاهر من قوله مثلاً (لا ربا) هو نفي الربا من حيث أنّ الربا حرام، لا من حيث عالم الاستعمال.

وأمّا النحو الثاني: فهو ما لو كان النظر الى مرحلة المولويّة والتشريع لا مرحلة الاستعمال، فيكون قد انعقد الإطلاق في الدليل المحكوم في نفسه، ويكون الدليل الحاكم منافياً له ولو كان بلسان التصرّف في عقد الوضع، وفي الحقيقة يكون الدليل الحاكم بهذا النحو دائماً متصرّفاً في عقد الحمل، وإنّما يختلف التعبير فتارة يعبّر بمثل (لا حرج)، واُخرى يعبّر بمثل (لا ربا)، وكلاهما ينافي الأدلّة الأوليّة، ولكنّهما يقدّمان عليها تطبيقاً لقانون تقديم القرينة على ذي القرينة، وبما إنّ قرينيّة بعض الجمل تكون بظهور لفظي في نفس تلك الجملة لا بظهور سياقي يستفاد من سياق مجموع القرينة وذي القرينة، فلذا تكون القرينيّة محفوظة حتّى لدى الانفصال، وعند الانفصال لا ينهدم ظهور الدليل الأوّل، ولكن تنهدم حجيّته؛ لأنّ مدرك الحجيّة هو السيرة العقلائيّة، وهي غير ثابتة على حجيّة ذي القرينة مع صدور القرينة ولو منفصلة.

وقد تحصّل بما ذكرناه: أنّ معنى التقدّم بالحكومة ليس هو رفع الموضوع للدليل المحكوم، كما هو مصطلح مدرسة المحقّق النائيني(رحمه الله)، ولذا اضطرّوا الى تأويل الحاكم بلحاظ عقد الحمل بأنّه يرفع موضوع دليل أصالة الإطلاق، وإنّما معناه