المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

626

التقدّم بالمبيّنيّة والمفسّريّة.

كما أنّه ظهر بما ذكرناه: أنّ نكتة تقديم الحاكم هي بنفسها نكتة تقديم المخصِّص فيما إذا كان المخصّص قرينة، غاية الأمر أنّ المفسّريّة: تارة تكون ذاتيّة للمفسِّر، واُخرى تكون موقوفة على اتّصاله بالمفسَّر، فمفسّريّة الحاكم للمحكوم ذاتيّة له، ولذا تكون محفوظة عند الانفصال، ومفسّريّة المخصّص للعامّ مشروطة بالاتّصال، إذ معه ينتزع منه عرفاً عنوان المفسّريّة دون الانفصال.

هذا تمام الكلام في أصل قانون الحكومة.

وأمّا الكلام في تطبيقها على المقام فنقول: إنّ القاعدة حاكمة على الأدلّة الأوليّة بملاك المفسّريّة والمبيّنيّة التي مرجعها بحسب الروح الى النظر، فإنّ الناظر يعتبر بالنظر العرفي مفسّراً ومبيّناً للمنظور إليه.

وتقريب كون قاعدة (لا ضرر) ناظرة يحتاج الى مزيد بيان؛ لأنّه في النظرة الاُولى قد يشكّك في ذلك ويقال: إنّ النظر إنّما يكون في النفي التركيبي بأن يقول مثلاً: الأحكام التي جعلتها (أو اجعلها) لا تكون ضرريّة، فهذا من الواضح أنّه ناظر الى الأحكام الأوليّة، وأنّه فرضها مفروغاً عنها، وقال عنها: إنّها لا تكون ضرريّة، وأمّا إذا كان النفي بسيطاً كأن يقول: (لا تصدر منّي أحكام ضرريّة). فهذا ليس له نظر الى الأحكام الأوليّة، ولم يفرض فيها الفراغ عنها والنظر إليها، وعليه فنحتاج في مقام إثبات نظريّة القاعدة وحاكميّتها الى إثبات إفادتها للنفي التركيبي، والنفي التركيبي واضح في قوله: ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج بقرينة كلمة (في الدين) يعني أنّ الدين وهو وجوب الوضوء أو الغسل أو الصوم بعد فرض وجوده ليس فيه حرج، وكذلك قاعدة (لا ضرر) تكون ظاهرة في النفي التركيبي لو ثبتت كلمة (في الإسلام) لكنّها لم تثبت، فقد يشكّك في بادىء الأمر في الحكومة ويقال: بأنّ أمر القاعدة دائر بين النفي التركيبي والنفي البسيط، ومع فرض النفي البسيط يصير مرجعها الى أنّه لم تصدر منّي أحكام ضرريّة، وهذا لا يفرض في المرتبة السابقة الفراغ عن وجود وجوب الوضوء أو الغسل؛ ليكون له نظر الى تلك الأحكام.

ويمكن أن تبيّن هنا نكتة الحكومة بأحد تقريبات ثلاثة:

التقريب الأوّل: أن نضمّ الى هذا النفي ارتكاز الشريعة، فلولا ارتكازها كان يبقى أمر النفي مردّداً بين أن يكون تركيبيّاً أو بسيطاً، ولكن ارتكازيّة أنّ المتكلّم له شريعة وأحكام تعوّض عن كلمة (في الإسلام)، فكأنّه قال: لا ضرر من ناحية الشريعة