المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

627

المفروغ عن وجودها.

التقريب الثاني: أن يقال: إنّ القرينة على تركيبيّة النفي هي ظهور الدليل في الامتنان.

وتوضيحه: أنّ هذه القاعدة باعتبار كونها امتنانيّة لا تكون إلّا بمعنى جعل الضرر مانعاً عن التشريع، وكون التشريع لولا الضرر ثابتاً، وأمّا لو فرض أنّ التشريع غير ثابت من باب عدم الاقتضاء فمثل هذا لا يكون فيه امتنان على الناس، فظهوره في الامتنان مساوق لظهوره في مانعيّة الضرر عن التشريع، وهذا الظهور مساوق للمفروغيّة عن وجود التشريع لولا المانع، وبكلمة اُخرى: أن دليل (لا ضرر) ورد في مقام إنشاء شرط عامّ في التشريع، وهو عدم الضرر، أو عبِّر بإنشاء مانع عامّ عن التشريع، وهو الضرر، فحاله حال أدلّة الشرائط والموانع من قبيل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» و «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» وغير ذلك من أدلّة المانعيّة التي تكون لها حكومة ونظر الى دليل الحكم الممنوع.

التقريب الثالث: أنّه لو كان يُحتمل ـ بغضّ النظر عن بيان المولى ـ أنّ المولى سوف يجعل أحكاماً ضرريّة فقط وكانت القاعدة متصدّية لرفع هذا الاحتمال لم تكن القاعدة ناظرة الى وجود الشريعة؛ لأنّ عدم جعل تلك الأحكام يكون أعمّ من وجود الشريعة وعدمها، ولكن من البديهي أنّه ليس من المحتمل ذلك، وهو جعل أحكام تكون كلّها ضرريّة دائماً، فالتصدّي لرفع هذا الاحتمال لغو، وإنّما المحتمل في شأنه أنّه حين يشرّع أحكاماً فقد يجعلها أحياناً ضرريّة، فالقاعدة إنّما تنفي الضرر في مقابل هذا الاحتمال، وهو أن يجعل تشريعاته بنحو تسري الى حالة الضرر، إذن فقد فرض في المقام أصل التشريع.

ويرد على هذا التقريب: أنّنا وإن لم نحتمل ضرريّة تمام الأحكام الشرعيّة، لكنّنا نحتمل ـ بغضّ النظر عمّا مضى في الوجه الأوّل والثاني من ارتكازيّة الشريعة أو امتنانيّة القاعدة ـ عدم أصل الشريعة وعدم مقتض لها، وهذا الاحتمال لا يخالف القاعدة بما هي هي، فكيف يثبت نظرها الى الأحكام الأوّليّة؟!

وبكملة اُخرى: أنّه ليس الأمر دائراً بين كون الأحكام مشتملة على الضرري وغير الضرري، وكونها جميعاً غير ضرريّة حتّى يقال: إنّ القاعدة تكون بصدد نفي اتّصاف الأحكام أحياناً بالضرريّة وقد فرغ فيها عن أصل الحكم، بل هنا احتمال ثالث وهو عدم الحكم رأساً، ولابدّ في إثبات الفراغ في القاعدة عن أصل الحكم من