المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

629

التصرّفات التي يريدها، لا أنّ جوازها في نفسه مفروغ عنه في المرتبة السابقة، ويكون الحديث في مقام نفي المانع وهو أسباب الحجر، فعندئذ نقول ـ أيضاً ـ: إنّه لا يمكن الاستدلال بإطلاق الحديث في المقام؛ لأنّ المتفاهم منه عرفاً أنّه في مقام بيان أنّ المال ليست له عصمة في مقابل إرادة المالك كما له عصمة في مقابل الآخرين، فإذا احتملنا ضيقاً في دائرة سلطنة المالك من باب أنّ المال له عصمة في مقابله فذلك يُنفى بالقاعدة، ولكن إذا احتملنا ضيقاً في دائرة السلطنة لا بلحاظ المال، بل باعتبار كونه مؤدّياً الى الإضرار بالغير فهذا الاحتمال لا يرفع بالقاعدة، فإنّ غاية ما يستفاد منها أنّه من ناحية المال وكونه محترماً لا مانع أن يتصرّف فيه المالك.

هذا. وللمحقّق العراقي(رحمه الله) وجه آخر غير ما ذكرناه من الوجهين في مقام إثبات عدم إمكان الرجوع في المقام الى قاعدة السلطنة، وحاصله: إيقاع المعارضة بين إطلاق القاعدة لسلطنة المالك على حفر البالوعة في داره، وإطلاقها لسلطنة الجار على المحافظة على جداره وبئره، ولا يعقل جعلهما معاً؛ لأنّ كلاّ من السلطنتين تلازم منع الآخر من سلطنته(1).

ويرد عليه: أنّه لو سُلّم إطلاق القاعدة في نفسها لسلطنة صاحب البيت على تمام أنحاء التصرّف في بيته بما فيها حفر البالوعة، فذلك لا يعارض بإطلاقها لمحافظة الجار على جداره أو بئره، فإنّ المفهوم من كلمة (على) أنّ القاعدة إنّما تنظر الى السلطنة بلحاظ التصرّفات التي تمثّل جانب القهر والغلبة على المال، فله البيع والصلح والهدم واستيفاء المنافع ونحو ذلك، لا جعل الولاية له على كلّ ما له مساس بالمال وإضافة إليه، ولو كان عبارة عن منع الجار عن حفر البالوعة مثلاً في ملكه من باب أنّ هذا محافظة على ماله فله نحو إضافة إليه، ولكن ليس مصداقاً للقهر والغلبة على المال. وعلى أيّ حال، فقد عرفت أنّ قاعدة السلطنة لا أثر لها في المقام.

وبعد هذا قد يقال: إنّ المرجع هو الأصل، فنجري أصالة جواز حفر البالوعة، فينتج الأصل النتيجة التي كان يُرام تحصيلها من قاعدة السلطنة.

إلّا أنّ الصحيح أنّه لابدّ من الرجوع الى مدارك قاعدة السلطنة، ولا يبعد أن يقال: إنّ السيرة العقلائيّة تقتضي بحسب الارتكاز التفصيل بين ما لو كان المالك لا يتضرّر بترك حفر البالوعة، أو يتضرّر ضرراً يكون مندكّاً عرفاً في مقابل ضرر الجار، من


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 120.