المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

63

أقول: إنّ الصحيح ـ بحسب الإطار الفكري الذي يعيشه هذان العلمان ـ هو ما أفاده المحقّق العراقيّ، لا ما أفاده المحقّق النائينيّ.

وما أفاده المحقّق النائينيّ مشوّش بناءً، ومفرّع عليه ما لا يناسبه، وما أفاده المحقّق العراقيّ غير مشوّش بناءً، ومفرّع عليه ما يناسبه.

لكنّنا نقول: إنّ الفرق بين جعل البدل وجعل البراءة ليس إلاّ فرقاً لسانيّاً، وإنّ التعبير تارةً بهذا واُخرى بذاك تفنّن في العبارة، ولا يرتبط ذلك بفرق جوهريّ بين الاُصول، وإنـّما روح الحكم الظاهريّ في الجميع يرجع إلى درجة اهتمام المولى بغرضه الواقعيّ عند الشكّ، فلو لم يهتمّ بغرضه إلى درجة يكلّف العبد كلفة إعادة العمل عند الشكّ في صحّة عمله، رخّص العبد في ترك الإعادة، إمـّا بلسان: لا تُعِد، وإمـّا بلسان: بلى قد ركعت مثلاً، أفهل ترى أنـّه لو قال: بلى قد ركعت، فهذا ليس تحدّياً لحكم العقل، لأنـّه عبّدنا بحصول الامتثال، ولو قال: لا تُعِد(1) كان ذلك تحدّياً لحكم العقل؛ لأنـّه رخّص من دون التعبّد بذلك؟.

نعم، مثل هذه التفرقة بين اللسانين ليس غريباً على اُصول كانت تفرّق بين لسان جعل الكاشفيّة ولسان إيجاب الاحتياط، فترى أنّ موضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) يرتفع بوضوح بجعل الكاشفيّة، ولكن تشكل كيفيّة تصوير ارتفاعه بمجرّد إيجاب الاحتياط، لأنّ المفروض أنّ الشارع لم يجعل البيان.

والحاصل: أنـّه لا فرق ـ بحسب الروح والجوهرـ بين أن يرخّص المولى بلسان جعل البدل، والتعبّد بحصول الامتثال، أو يرخّص بلسان جعل البراءة. واعتراف المحقّق العراقيّ بإمكان الأوّل اعتراف ضمنيّ منه بحسب وجدانه بإمكان الثاني، فتحصّل أنّ نقض المحقّق النائينيّ يكون ـ وبحسب الواقع ـ وارداً عليه.

هذا. وللمحقّق العراقيّ نقضان في المقام:

الأوّل: نقض موجود في تقرير بحثه، ولم يذكره في مقالاته، وهو أنـّه بعد أن فرّق بين العلم التفصيليّ والعلم الإجماليّ في التنجيز، كما سلّم الخصم بذلك، يلزم من عدم علّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة وجواز إجراء الأصل في


عن جعل الطرف الآخر بدلاً، بناءً على أنّ جريان الأصل لا يتصوّر إلاّ مع حفظ الامتثال التعبّديّ القطعيّ.

(1) ولم يكن ذلك كناية عن معنى: بلى قد ركعت.