المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

631

أو لا، يتفرّع على أن نرى في المرتبة السابقة أنّ دائرة الارتكاز العقلائي في مقام إعطاء السلطنة للمالك هل تشمل السلطنة على التصرّف الضرري بالنسبة للجار من دون أن يكون في تركه ضرر غير مندكّ على المالك، أو لا؟ فإن شملت ذلك لم نحتج في مقام تصوير تعارض الضررين الى تلك المؤونة الزائدة، وكان مجرّد منع المالك عن التصرّف في ملكه ضرراً عليه، وإلّا احتجنا الى تلك المؤونة، وقد مضى عند التكلّم على مقتضى القواعد الأوليّة أنّ الارتكاز العقلائي لا يساعد على مثل هذه السلطنة، فصغرى تعارض الضررين إنّما تتمّ عند فرض تلك المؤونة الزائدة.

وأمّا البحث في الكبرى: فقد ذكر المحقّق النائيني(رحمه الله)(1): أنّ قاعدة (لا ضرر) إنّما تجري بالنسبة الى تصرّف المالك، فتحرّم عليه التصرّف، ولا تجري لنفي الضرر على المالك، ولا يقع التعارض بين الإطلاقين؛ وذلك لأنّ حرمة التصرّف على المالك هي وليدة للقاعدة فلا تُنفى بالقاعدة، فإنّ القاعدة إنّما تكون حاكمة على الأدلّة الأوليّة، ومقتضى الأدلّة الأوليّة: إمّا هو جواز الحفر للمالك، أو حرمته، ولا يمكن أن تكون الأدلّة الأوليّة مقتضية لكلا الحكمين، فلا معنى للتعارض بين إطلاقين للقاعدة، والواقع عند المحقّق النائيني(رحمه الله): أنّ مقتضى الأدلّة الأوليّة هو جواز الحفر للمالك، فيرفع ذلك بقاعدة (لا ضرر) وتثبت الحرمة، وهذه الحرمة التي تولّدت من تطبيق القاعدة لا ترفع بالقاعدة، ولا تكون موضوعاً من جديد للنفي المجعول بها.

ثمّ اعترض(قدس سره) على نفسه: بأنّكم تقولون في باب دليل حجيّة خبر الواحد: إنّ القضية الحقيقيّة يمكن أن تشمل نفسها، وإنّ (صدّق العادل) يطبّق على إخبار الشيخ، فيولّد موضوعاً جديداً للحجيّة وهكذا، فلماذا لا تقولون بمثل ذلك في المقام؟!

وأجاب عن ذلك: بأنّ هذا إنّما يعقل فيما إذا لم تكن القضية الحقيقيّة مسوقة مساق النظر والحكومة، وأمّا إذا كانت كذلك كما هو الحال في قاعدة (لا ضرر)، فلا يعقل فيها ذلك، فلو كانت القاعدة مجرّد نفي للحكم الضرري من دون نظر الى الأدلّة التي تشمل بإطلاقها صورة الضرر، فلا بأس بأن يقال: إنّ الحكم الضرري المتولّد منها يصبح موضوعاً جديداً للنفي المستفاد من القاعدة، ولكنّ المفروض أنّ القاعدة حاكمة، ومعنى الحكومة النظر الى تلك الأدلّة نظراً تقييديّاً، فبالإمكان أن ينفى بها


(1) راجع قاعدة (لا ضرر) بقلم الشيخ موسى النجفي، ص 225.