المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

632

إطلاق دليل السلطنة الشامل للفرد الضرري، فإنّها تنظر الى دليل السلطنة وتقيّده بالحكومة، ولكن ليس بالإمكان أن ينفى بها إطلاق نفس القاعدة الشامل للفرد الضرري، بأن تنظر الى نفسها، وتفرض ثبوت نفسها في المرتبة السابقة عليها، وتقيّدها بالحكومة، فإنّ هذا غير معقول وتهافت في عالم اللحاظ والنظر.

أقول: إنّ هذا الكلام إنّما تكون له صورة بناءً على مبنى المحقّق النائيني(قدس سره): من أنّ قوام حكومة القاعدة يكون بالنظر الى أدلّة الأحكام الواقعيّة نظراً تقييديّاً، ومن هنا يقول(رحمه الله): إنّ القاعدة لا يمكن أن ينفى بها أصل حكم ضرري من رأس كوجوب الجهاد مثلاً، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من أنّ القاعدة تنظر الى الشريعة الإسلاميّة ككلّ، ويكون نظرها نظراً توضيحيّاً وشرحيّاً لها لا تقييديّاً، فهي إنّما تبيّن وصف الشريعة الإسلاميّة وتصفها بأنّها ليس فيها حكم ضرري، ومن هنا نبني على أنّ القاعدة تنفي ـ أيضاً ـ الحكم الذي يكون ضرريّاً من رأس، فلا يلزم أن يتصوّر نظر القاعدة الى شخص الأدلّة والأحكام الأوليّة حتّى يقال:إنّه يستحيل أن تنظر الى نفسها، وتفرض نفسها في المرتبة السابقة، وإنّما تنظر الى الشريعة الإسلاميّة ككلّ، وتنفي وجود حكم ضرري فيها، ولو تولّد حكم ضرري من نفس القاعدة أصبح موضوعاً جديداً لنفي الضرر الموجود فيها.

وقد تحصّل من كلّ ما ذكرناه: أن مقتضى قاعدة (لا ضرر) هو التفصيل بين ما لو كان ترك الحفر موجباً لضرر على المالك كانهدام بيته مثلاً أو لا، فإن لم يكن موجباً لضرر عليه جرت القاعدة في حقّ الجار فقط ولم يجز للمالك حفر البالوعة، وإن كان موجباً لضرر عليه تعارض الإطلاق، وكان مقتضى الأصل هو الجواز، وهذه هي نفس النتيجة التي توصّلنا إليها عندما تكلّمنا على مقتضى القواعد الأوليّة بغضّ النظر عن قاعدة (لا ضرر)، فقد تحصّل: أنّ إدخال عامل قاعدة (لا ضرر) وعدم إدخاله لا يغيّر من الموقف شيئاً.

هذا كلّه من حيث بيان الحكم التكليفي للمسألة، وأمّا الضمان فحتّى لو جاز للمالك حفر البالوعة كان ضامناً فيما إذا صدق عنوان الإتلاف؛ لأنّ الضمان بملاك الإتلاف، ومجرّد جواز التصرّف لا يخرج الإتلاف عن كونه موضوعاً لدليل الضمان.

هذا. وذكر المحقّق العراقي(رحمه الله)(1): أنّ من حفر بالوعة تؤثّر على بئر جيرانه


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 119 ـ 120.