المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

633

فتارة يفرض أنّ ذلك يتلف أصل المال بأن ينضب ماء البئر، واُخرى يفرض أنّه يتلف وصفاً من الأوصاف الدخيلة في ماليّة الماء كالعذوبة، وثالثة يفرض أنّه لا يتلف وصفاً حقيقيّاً، ولكن يوجب نوعاً من تنفّر الطبع قائم على أساس تصوّر كون البئر قريباً من البالوعة ونحو ذلك من دون أيّ تغيير حقيقي في أوصاف الماء، ففي الأوّل والثاني يضمن؛ لأنّه أتلف مال الغير ذاتاً أو وصفاً، وأمّا في الثالث: فلا يضمن، بل ليس عمله حراماً أيضاً؛ لأنّه لم يتلف مال الغير، وإنّما اتلف ماليّته لكون التنفّر الطبعي يوجب قلّة الماليّة والرغبة العقلائيّة فيه، وذلك ليس من المحرّمات ولا من موجبات الضمان، ولهذا لا يستشكل أحد في أنّه لو قلّل ماليّة مال شخص آخر بإصدار بضاعة مماثلة لبضاعته الى السوق لم يكن ذلك حراماً، ولا موجباً للضمان.

أقول: إنّ مسألة ضمان الماليّة لها عرض عريض في باب الضمانات، وهذا النقض يتمسّك به دائماً لإثبات عدم ضمان الماليّة؛ لكونه مصداقاً واضحاً لعدم الضمان.

والفرع الآخر الذي يكون شبيهاً بما نحن فيه: هو أنّه لو غصب شخص كميّة من العباءات الصيفيّة في الصيف، وأرجعها في الشتاء فقد قال الفقهاء بأنّه لا يضمن؛ لأنّه أرجع إليه نفس ماله؛ لأنّ العباء لم ينقص ذاتاً ولا وصفاً، غاية الأمر أنّ قيمته الآن أنزل منها وقتئذ، والماليّة غير مضمونة، وإلّا لانتقض بتاجر الحنطة مثلاً الذي يستورد حنطة كثيرة فينزّل قيمة الحنظة الموجودة عند الآخرين.

وتفصيل الكلام في هذا المطلب موكول الى بحث الضمان أي: بحث المقبوض بالعقد الفاسد من المكاسب وليس هنا موضعه، إلّا أنّني أذكر هنا كلمة واحدة بنحو الاختصار كأساس لبحث الضمان وهي:

أنّه لابدّ من التمييز بين نقصان الماليّة الناشىء من نقصان القيمة الاستعماليّة للمال، ونقصان الماليّة الناشىء من نقصان القيمة التبادليّة للمال، فإنّ للمال قيمتين: قيمة استعماليّة: وهي القيمة التي تتحصّل من منافع هذا المال وإشباعه لحوائج الإنسان الطبيعيّة بغضّ النظر عن عرضه بالسوق ووجود مشتر له، وقيمة تبادليّة والتي يعبّر عنها في العرف الاعتيادي بالسعر والثمن السوقي أي: قوة تبادل هذا المال مع مال آخر، والقيمة التبادليّة تؤثّر فيها القيمة الاستعماليّة، فإنّ الشيء الذي ليست له قيمة استعماليّة ولا ينفع أصلاً ليست له قيمة تبادليّة في السوق، فالقيمة الاستعماليّة دخيلة في تكوين القيمة التبادليّة، لكن يدخل في تكوين القيمة التبادليّة