المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

634

عامل آخر أيضاً وهو كميّة العرض والطلب، وهذا العامل ليس مؤثّراً في القيمة الاستعماليّة.

إذا اتّضح هذا قلنا في المقام: إنّ القيمة الاستعماليّة للشيء في الواقع هي وصف من الأوصاف القائمة بالشيء، فإنّها عبارة عن قابليّة الشيء للانتفاع به، وهي حيثيّة قائمة به كسائر حيثيّاته القائمة به كسواده ونعومته وهذه الحيثيّة تستند الى اُمور خارجيّة واُمور نفسيّة، فإنّها كما تستند الى سواد العباءة ومتانتها مثلاً، كذلك تستند الى الحاجة الى العباءة، وكون الجوّ حارّاً أو بارداً، وكذلك ماء البئر يستند في قابليّته لإشباع حاجة الإنسان الى صفائه وعذوبته، والى انشراح الإنسان له، فقميته الاستعماليّة تضعف بإيجاد تنفّر الطباع عنه، ويكون ذلك من قبيل ما لو أوجد شخص حركات معيّنة ومشاغبات في بيت شخص بحيث أوهم أنّه مسكون للجن، وبذلك اشمأزّت الطباع منه من دون أن يؤثّر في هذا البيت شيئاً، فهذا قد قلّل القيمة الاستعماليّة للبيت، وتقليلها كتقليل أيّ حيثيّة من الحيثيّات القائمة بالبيت يوجب الضمان، فلو قلّلها بعنوان الإتلاف يوجب الضمان بقاعدة الإتلاف، ولو قلّت تحت يده ويده يد ضمان ثبت الضمان بمقتضى قاعدة اليد كلّ حسب شرائطه وقانونه.

وأمّا لو فرض أنّ القيمة الاستعماليّة لم تقلّ بوجه من الوجوه، وإنّما قلّت القيمة التبادليّة من باب زيادة العرض بحسب الخارج، فهذا ليس ضرراً ونقصاً فيما هو تحت يد المالك فعلاً، وإنّما النقص أمر تقديري تعليقي يعني: لو أنّه بدّله بمال آخر سابقاً لحصل على مال أكثر ممّا يبدّله به الآن، ومثل هذا النقص التعليقي ليس ضرراً بالفعل، ولا ينبغي أن يقاس به محل الكلام. وتحقيق المطلب مفصلاً موكول الى بحث المكاسب(1).

 


(1) الإضرار بالنفس

وفي ختام بحث (لا ضرر) لا بأس بالإشارة الى مسألة الإضرار بالنفس ضرراً غير واصل الى مستوى يشمله دليل حرمة الإلقاء في التهلكة ونحو ذلك؛ لكي نرى هل يمكن إثبات تحريمه بـ(لا ضرر) كما يثبت تحريم الإضرار بالغير من دون رضاه بـ(لا ضرر)، أو لا؟ وإن كان يتّضح ذلك بالتأمّل فيما مضى من الأبحاث السابقة.

ونشرح ذلك وفق مبنيين من المباني في تفسير (لا ضرر):

الأوّل: مبنى تفسيره بنفي الحكم الضرري، فعلى هذا المبنى من الواضح عدم دلالة (لا