المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

64

بعض أطرافه ـ إن لم يكن له معارض ـ انسحاب ذلك إلى العلم التفصيليّ، فإذا شكّ في صحّة صلاته ولم تجرِ قاعدة الفراغ، كان له التمسّك بأصالة البراءة؛ للشكّ في وجوب الصلاة فعلاً عليه.

هذا ما أفاده المحقّق العراقيّ على ما في تقرير بحثه.

وقد يقال: إنّ استصحاب بقاء الوجوب، أو استصحاب عدم الإتيان بالواجب، حاكم على البراءة في المقام.

والصحيح ـ كما يأتي إن شاء الله ـ : عدم جريان استصحاب بقاء الوجوب، لكن يكفي الاستصحاب الموضوعيّ في المقام.

إلاّ أنّ التمسّك بحكومة الاستصحاب في المقام لا يكفي لدفع النقض، فإنـّهم لا يجرون البراءة في المقام، حتّى بقطع النظر عن الاستصحاب، ولا تجري البراءة حتّى عند من ينكر الاستصحاب.

وعلى أيّ حال، فالصحيح في المقام عدم ورود هذا النقض؛ وذلك لأنّ عدم جريان البراءة عند الشكّ في الامتثال في مورد العلم التفصيليّ ليس لأجل محذور ثبوتيّ، بل لأجل القصور الإثباتيّ في دليل البراءة، لأنّ موضوع دليل البراءة هو الشكّ في الحكم، وهنا لا يشكّ في الحكم.

وتوضيح المقصود: أنـّه إن اُريد إجراء البراءة عن و جوب ثابت على الجامع بين الفرد الأوّل المأتيّ به على تقدير صحّته، والفرد الثاني غير المأتيّ به، فهذا الوجوب مقطوع به. وإن اُريد إجراء البراءة عن وجوب ثابت على ما لا يشمل الفرد الأوّل على تقدير صحّته، فهذا الوجوب غير محتمل. وإن اُريد إجراء البراءة عن الوجوب الأوّل ـ وهو وجوب الجامع بين الفرد الأوّل المأتيّ به على تقدير صحّته، والفرد الثاني ـ من باب أنّ هذا الوجوب وإن لم يكن مشكوكاً حدوثاً لكنّه مشكوك بقاءً، ورد عليه: أنّ روح الحكم وجوهره ـ وهو الحبّ والبغض ـ لا يسقط بالامتثال، فالمولى حتّى بعد الامتثال حينما ينظر إلى ما فعله يحبّه ويرتضيه، وإنـّما الذي يسقط في المقام هو فاعليّة الحكم، وهذا ثابت في الأحكام التشريعيّة، وفي المقاصد التكوينيّة، فمن يريد عملاً بالإرادة التكوينيّة، بأن يفعله هو، أو بالإرادة التشريعيّة، بأن يفلعه عبده، لاتفترق حالته النفسيّة تجاه ذلك الشيء من محبوبيّته له بدرجة الإلزام قبل العمل وبعده، وإنـّما الذي يسقط وينتهي هو الفاعليّة التكوينيّة في فرض إتيانه بنفسه، أي أنـّه بعد العمل لا يبقى لذلك الحبّ تحريك تكوينيّ،