المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

68

القول بأنـّه لا يسقط الإطلاقان بالتعارض، بل نتمسّك بإطلاق دليل الحجّيّة في خصوص خبر الأوثق بعد القطع بعدم حجّيّة الخبر الآخر، هذا لو لم نقل: إنّ حجّيّة خبر الواحد في نفسها مشروطة بعدم معارضة أماريّتها بأمارة ظنّيّة اُخرى، بأن كان المحذور في الحجّيّة منحصراً في عدم إمكان حجّيّة كليهما، وكون حجّيّة أحدهما ترجيحاً بلا مرجّح.

 

الترخيص التخييريّ

الإشكال الثاني: ما ذكره المحقّق العراقيّ (رحمه الله) في المقام(1) من أنـّه لا مانع إثباتيّ عن إجراء الأصل الترخيصيّ في المقام بشكل ينتج التخيير، وجعل هذا نقضاً على من ينكر العلّيّة التامّة للعلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة.

وتقريب الإشكال: هو أنّ القول بتعارض الإطلاقين لكون جريانهما معاً موجباً للترخيص في المخالفة القطعيّة، وجريان أحدهما ترجيحاً بلا مرجّح، إنـّما يتمّ بلحاظ الإطلاق الأحواليّ، فإنّ الإطلاق الأفراديّ لدليل الأصل بالنسبة لكلّ واحد من الطرفين ليس مبتلياً بالمعارض، وإنـّما المحذور ينشأ من الإطلاق الأحواليّ في كلّ واحد من الفردين، حيث إنّ البراءة في كلّ واحد منهما ثابتة بالإطلاق، حتّى في حال ارتكاب الآخر، فيلزم من ذلك الترخيص في المخالفة القطعيّة، فنحن إنـّما نلتزم بسقوط الإطلاقين الأحواليّين مع بقاء الإطلاقين الأفراديّين على حالهما، فإنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، والإطلاق حجّة ما لم يعلم بخلافه، فنقول: إنّ كلّ واحد منهما مرخّص فيه، بحكم البراءة على تقدير عدم ارتكاب الآخر، ولا يلزم من ذلك الترخيص في المخالفة القطعيّة بارتكاب كليهما، إذ في ظرف المخالفة القطعيّة لا يوجد ترخيص، وعليه فمن ينكر كون العلم الإجماليّ علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة لا بدّ له أن يلتزم بعدم وجوبها، وهذا نظير أنـّه لو ورد : « أكرم كلّ عالم»، وعلمنا من الخارج أنـّه لا يجب إكرام كلّ من زيد وعمرو العالمين تعييناً، فعندئذ لا نقول بجواز ترك إكرام كليهما معاً، بل نتمسّك بإطلاق الدليل لإثبات وجوب إكرام


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 317ـ .32، والمقالات: ج 2، ص 12.