المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

70

ممتنع، فلو تعارض مثلاً إطلاقان بالعموم من وجه كأكرم العالم، ولا تكرم الفاسق، فالجمع بين الإطلاقين ثبوتاً غير ممكن، لكنّ كلّ واحد من الإطلاقين في نفسه ممكن، فهل يتوهّم أحد أنّ الدليلين سقطا حتّى بلحاظ مادّتي الافتراق، لأنّ الإطلاق صار ممتنعاً، فامتنع التقييد بمادّتي الافتراق أيضاً؟ طبعاً لا، ومانحن فيه من هذا القبيل، حيث لم يكن الإطلاق في نفسه ممتنعاً، ولذا يلتزم هو (قدس سره)بجريان أصل واحد، إن لم يكن مبتلى ً بالمعارض، وإنـّما الممتنع هو اجتماع الإطلاقين، وإلاّ لم يجرِ الأصل حتّى بلا معارض، بل لم يجرِ الأصل في غير أطراف العلم الإجماليّ حسب هذه المباني، لأنّ إطلاق دليل البراءة لمورد العلم الإجماليّ ممتنع، فيمتنع تقييده بغير مورد العلم الإجماليّ أيضاً، ثمّ يلزم امتناع حجّيّة خبر الواحد، لأنّ إطلاقها لدليل البراءة ممتنع، فتقييدها بغيره ـ أيضاً ـ ممتنع، بل يمكن التعدّي أزيد من هذا.

وثانياً: أنـّنا قطعنا النظر عمّا ذكرناه، لكن القابليّة التي تؤخذ في باب العدم والملكة ـ الذي بابه في الحقيقة باب الألفاظ لا الواقعيّات ـ إنـّما تؤخذ في جانب العدم لا في جانب الوجود، فمثلاً البصر وعدم البصر متقابلان تقابل السلب والإيجاب، وحينما يراد الإتيان بما يكون تقابله تقابل العدم والملكة يبدّل عدم البصر بالعمى مع إبقاء البصر على حاله، فيقال: إنّ العمى عبارة عن عدم البصر في مورد قابل للبصر، فالجدار الذي لا يقبل البصر لا يصدق عليه العمى، لكن لو وجد ما يكون البصر من ذاتيّاته يصدق عليه البصر وإن لم يكن قابلاً للعمى، فالذي يناسب كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة إنـّما هو امتناع الإطلاق إذا امتنع التقييد، كما ذكر المحقّق النائينيّ (رحمه الله) في بحث التعبّديّ والتوصليّ(1) : أنّ تقييد الأمر بقصد الأمر ممتنع، فكذلك إطلاقه، ولا معنىً لأن يفرّع على كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة امتناع التقييد إذا امتنع الإطلاق كما ذُكر في ما نحن فيه.

الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الاُستاذ(2)، وهو ـ في الحقيقة ـ إدخال لبعض التصرّفات في المبنى، حيث إنـّه إلى هنا كان البناء على أنّ المحذور في جريان الاُصول في جميع الأطراف، إنـّما هو لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة، فذُكر أنـّه


(1) راجع أجود التقريرات: ج 1، ص 113، وفوائد الاُصول: ج 1، ص 146.

(2) راجع المصباح: ج 2، ص 355، والدراسات: ج 3، ص 228.