المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

74

الترخيص في المخالفة القطعيّة في نفسه ـ قبيح إذا عرف العبد بأنـّه ترخيص في المخالفة، بحيث إنّ ترخيص المولى في المخالفة ـ مع عدم إحراز العبد لكونه ترخيصاً في المخالفة ـ ليس قبيحاً، ولكن بضمّ اطّلاع العبد على ذلك يصبح قبيحاً، وهذا شيء لا نتعقّله، وعهدته على مدّعيه، وهو خلف ما مضى من الأصل المسلّم بيننا: من أنّ الحكم الظاهريّ محذوره إنـّما هو المصادمة للحكم الواقعيّ ببعض مراتبه، لا أنـّه في نفسه محذور من المحاذير.

الوجه الثالث: ما لعلّه مذكور في الدراسات(1) : من أنّ الحكم الظاهريّ يجب أن يكون محتمل المطابقة للواقع، فلو علمنا مثلاً بالكراهة أو الإباحة، لا يكون الحكم الظاهريّ فيه الحرمة، وإن أمكن جعل الحرمة في ذلك، فهو حكم واقعيّ لا ظاهريّ، وعليه فالإباحة المشروطة بترك الآخر غير معقولة في ما نحن فيه؛ إذ لا نحتمل الإباحة المشروطة في شيء من الطرفين، بل أيّ واحد منهما إمـّا حرام مطلقاً، أو مباح مطلقاً.

ويرد عليه: أنـّه لا وجه لاشتراط احتمال مطابقة الحكم الظاهريّ للواقع، وإنـّما يشترط فيه أمران: أحدهما: الشكّ، والآخر: كون الحكم الظاهريّ صالحاً للتنجيز المحتمل أو التعذير عنه، لأنّ الحكم الظاهريّ عبارة عن الخطاب الناشىء من تزاحم الملاكات الواقعيّة، وإعمال قوانين التزاحم، فلو انتفى الشكّ لم يكن هناك تزاحم، ولو لم يكن الحكم الظاهريّ صالحاً للتنجيز المحتمل أو التعذير عنه لم يكن إعمالاً لقوانين باب التزاحم، وتقديم أحد الجانبين على الآخر مثلاً، فلو علمنا مثلاً بالكراهة، فلا معنىً للحكم الظاهريّ؛ لعدم الشكّ، ولو علمنا إجمالاً بالكراهة أو الإباحة، فلا معنىً للحكم الظاهريّ بالحرمة، لعدم صلاحيّته لتنجيز المحتمل أو التعذير عنه. وأمـّا الإباحة المشروطة في ما نحن فيه فهي صالحة للتعذير عن الواقع تعذيراً ناقصاً، أي: مختصّاً بفرض ترك الآخر.

الوجه الرابع: أن يقال: إنّ هنا إطلاقين أفراديّين، وإطلاقين أحواليّين، لو تحفّظنا عليها كلّها لزم الترخيص في المخالفة القطعيّة، فلابدّ من رفع اليد عن اثنين من أربعة، وهذا كما يمكن برفع اليد عن الإطلاقين الأحواليّين، كذلك يمكن برفع اليد عن الإطلاق الأحواليّ والأفراديّ من أحد الجانبين، ويرتفع بذلك أيضاً


(1) وقع في الدراسات وفي المصباح الخلط بين هذا الوجه والوجه السابق.