المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

80

طبيعة (ما لا يعلمون) بنحو الإطلاق، لا إلى الأفراد بنحو العموم، وتقييد فرد بحال يستلزم ملاحظة الأفراد في المرحلة السابقة، وذلك خلاف الظاهر. نعم، لا يأتي هذ البيان في مثل قوله: (كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه النهي) وقوله: (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه) لو صحّ الاستدلال بهما في أنفسهما.

هذا، ولكن لا يخفى أنّ هذا الجواب الذي بيّنّاه إنـّما يأتي على شبهة التخيير، بحسب اللسان الذي بيّنوه في مقام بيان الشبهة، من تصوير إطلاقين أفراديّين، ولكن من الممكن دعوى التخيير، بأن يرجع التقييد ابتداءً إلى الطبيعة، بأن يقال: إنّ الشيء المحكوم عليه بالحلّ أو الرفع مقيّد بقيدين: أحدهما: ما صرّح به في الكلام، وهو عدم العلم التفصيليّ بالحرمة، والآخر: ما استفيد بحكم العقل مثلاً، وهو عدم طرفيّته لعلم إجماليّ يرتكب طرفه الآخر، وعليه تعود شبهة التخيير.

إلاّ أنّ هذه الشبهة لو عادت فإنـّما تعود بلحاظ حديث الحلّ. أمـّا القسمان الآخران فقد عرفت جواباً آخر عن الشبهة فيهما.

وهذه الشبهة إنـّما تعود بلحاظ حديث الحلّ على تقدير كون المراد بالشيء في حديث عبد الله بن سنان الكلّيّ، لكن من المحتمل كون المراد به الكلّ، وإذا كان المراد ذلك فما بيّنّاه في تقريب عدم استفادة التخيير ثابت على حاله، ويكفينا الإجمال.

إلاّ أنّ الإنصاف عدم الإجمال في الحديث، وأنّ الظاهر منه إرادة الكلّيّ لا الكلّ، فإنـّه لا يُرى في إطلاق الشيء على كلّيّ الجبن أو الخبز أو غيرهما عناية، في حين أنّ جعل مجموعة أشياء فرداً للشيء، بأن يكون أفراده في قوله: (كلّ شيء) عبارة عن مجاميع، كما هو فرض إرادة معنى الكلّ لا عن أجناس مثلاً كما هو فرض إرادة معنى الكلّيّ، تكون فيه عناية ومؤنة، ولا يعارض هذا بدعوى أنّ الظرفيّة المستفادة من قوله: (فيه) إنـّما تناسب ظرفيّة المركّب للأجزاء، لا الكلّيّ للأفراد، لثبوت العناية والمؤنة في ظرفيّة الكلّيّ للأفراد، فإنّ هذا ممنوع، وظرفيّة الكلّيّ للأفراد أيضاً أمر عرفيّ.

فتحصّل: أنّ شبهة التخيير لا زالت مستحكمة بلحاظ حديث الحلّ.فإن لم نجد حلاًّ لها بمقتضى القواعد، واستحكمت بلحاظ أدلّة البراءة العامّة، انحصر الطريق لإبطال التخيير بالتمسّك ببعض الأخبار المتفرّقة الواردة في موارد العلم الإجماليّ في الشبهة المحصورة الدالّة على عدم جواز المخالفة الاحتماليّة، كما ورد