المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

83

يعلمون، ونحو ذلك ممّا هو ظاهر في كون مصبّ الترخيص كلّ واحد من الطرفين تعييناً، فتقييد كلّ من الترخيصين بترك الآخر وإن كان لا بأس به بلحاظ المدلول الإنشائيّ؛ إذ ليس فيه عدا مؤنة التقييد، لكنّه لا يتمّ لاستلزامه قلب الترخيص في كلّ طرف بعينه بحسب المدلول التصديقيّ الجديّ إلى الترخيص في الجامع، وهذه مؤنة زائدة لا تستفاد من مجموع دليل الترخيص التعينيّ، وقرينة عدم إمكان الترخيص في كلّ من الفردين بالإطلاق، فقياس ما نحن فيه في كلام المحقّق العراقيّ (رحمه الله) وفي كلام المحقّق النائينيّ (قدس سره)لدى بيانه لشبهة التخيير بما لو قال: أكرم كلّ عالم، وعلمنا بعدم وجوب إكرام زيد وعمرو معاً، حيث نستفيد في مثل ذلك التخيير، يكون من باب الغفلة عن المدلول الجدّيّ الأقصى، وقصر النظر على المدلول الإنشائيّ، فالواقع أنّ استفادة التخيير في مثل هذا المثال هي مقتضى القاعدة، ولكن في ما نحن فيه تكون على خلاف القاعدة.

وقد تقول في المقام بجواز إجراء الأصل في أحد الطرفين على أساس مبنى ً نقوله في باب العموم، وتوضيح ذلك: أنـّنا نقول في باب العموم: إنـّه إذا ورد مثلاً: أكرم كلّ عالم، وورد مخصّص ـ ولو متّصلاًـ لا يخرج عن تحت هذا العموم عدا فرد واحد مع احتمال خروج فردين، وذلك لا بمعنى كون المخصّص مجملاً مردداً بين الأقل والأكثر، ويكون المتيقّن منه خروج فرد خاص، بل بمعنى أنّ هذا المخصّص لم تكن له قابليّة إخراج أزيد من فرد واحد، كانت نسبته إلى زيد وعمرو مثلاً على حدّ سواء، أي: أنـّه على تقدير كون الخارج في الواقع كليهما ـ كما هو محتمل ـ لا يكون لما هو الخارج بهذا المخصّص تعيّن حتى في الواقع، فعندئذ دليل حجّيّة الظهور هنا لا يسقط رأساً، بل نلتزم بالتبعيض في الحجّيّة بحيث تثبت لنا قضيّتان مشروطتان: إحداهما: أنـّه إن كان زيد خارجاً، فعموم العامّ حجّة في عمرو، والاُخرى: أنـّه إن كان عمرو خارجاً، فعموم العامّ حجّة في زيد، ونعلم إجمالاً بحصول أحد الشرطين، فنعلم إجمالاً بحصول أحد الجزاءين، فنعلم بنحو العلم الإجماليّ بوجوب إكرام أحدهما.

ولا يتوهّم أنّ هذا الكلام إنـّما يتمّ في فرض المخصّص المنفصل، حيث إنّ الظهورين ثابتان في هذا الفرض، فيمكن دعوى حجّيّة كلّ واحد منهما على تقدير كذب الآخر. وأمـّا إذا كان متّصلاً فينتفي الظهوران؛ لأنّ ثبوتهما معاً غير معقول لفرض المخصّص المتّصل، وثبوت أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.