المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

84

فإنـّنا نقول في مقام الجواب عن هذا التوهّم: إنّ ظهور العامّ في عنوان (الفرد الثاني) محفوظ عرفاً، ودليل الحجّيّة شامل له، لكن هذا ـ بحسب التدقيق العقليّ ـ يكون على ظاهره محالاً، لعدم معلوميّة تعيّن لعنوان (الفرد الثاني)، حتى في الواقع، فترجع حجّيّة الظهور في عنوان (الثاني) ـ بحسب التحليل الفلسفيّ ـ إلى حجّيّتين مشروطتين.

كما أنـّه لا يرد إشكال: أنّ الحجّيّة تكون بملاك الكاشفيّة، ومثل هذه الحجّيّة لا تتبعّض عند العرف، فإنّ حجّيّة الظهور وإن تبعّضت في المقام فلسفيّاً حيث رجع الأمر ـ بحسب التحليل الفلسفيّ ـ إلى ما عرفته من حجّيّتين مشروطتين، ولكنّها لم تتبعّض عرفاً؛ لأنّ العرف يرى أنّ للكلام ظهوراً في شمول فرد بعنوان (الثاني)، وأنّ هذا الظهور حجّة، وهذا ليس فيه أيّ تبعيض واشتراط في الحجّيّة.

هذاكلامنا في باب العموم، ونقول بعينه في باب الإطلاق، إذ يمكن إرجاع القيد ـ بوجه من الوجوه ـ إلى الطبيعة.

إذا عرفت هذا قلنا: إنـّه قد يتوهّم في المقام أنـّه يمكن الاستفادة من هذا المبنى في باب العموم في ما نحن فيه، لإجراء الأصل في أحد الطرفين، بأن يقال: إنّ الظهور باق على حجّيّته، في كلّ واحد من الفردين على تقدير عدم الترخيص في الفرد الآخر، ونحن نعلم بعدمه في أحد الفردين، فنعلم بحجّيّته في أحدهما.

ويرد عليه: أوّلاً: أنـّه لا فائدة في حجّية أحد الترخيصين؛ إذ لا نعلم بأنّ أيّ الترخيصين هو الحجّة، ولا يثبت بذلك التخيير في ارتكاب أيّ واحد من الطرفين.

وثانياً: أنّ هذا ترخيص في أحد الطرفين تعييناً، دون الترخيص في الطرف الآخر، إلاّ أنـّنا لا نعلم ما هو الطرف المرخّص فيه، في حين أنّ ملاك الترخيص وهو الشكّ، أو ملاك عدمه وهو حرمة المخالفة القطعيّة، نسبته إلى الفردين على حدّ سواء.

نعم، يمكننا أن نستفيد من الدليل الترخيصيّ في أحد الفردين إن كان الفرد الآخر لا يجري فيه الأصل الترخيصيّ في نفسه، كما لو علم إجمالاً في الوقت بأنـّه إمـّا لم يصلّ صلاته، أو أنّ هذا المائع خمر، أو لأصل إلزاميّ حاكم على الأصل الترخيصيّ، كما إذا جرى في أحد الطرفين استصحاب النجاسة. أمـّا الأوّل فواضح، وأمـّا الثاني فلأنّ دليل الأصل له ظهور في الترخيص في كلّ ما لم يعلم تفصيلاً حرمته، ولم يكن طرفاً لعلم إجماليّ، لا يوجد منشأ ـ ولو من الخارج ـ يفهمه العرف؛