المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

88


استطراداً، فنقول:

إذا تعارض فتوى الأعلم مع فتوى غير الأعلم فقد يقال: إنّ الثاني متيقّن السقوط، والأوّل مشكوك السقوط، فنتمسّك بإطلاق الدليل لإثبات حجّيّته، وكذلك البناء العقلائيّ ثابت على حجّيّته، وتيقّن فتوى غير الأعلم للسقوط إن كان واضحاً لدى العرف ـ ولو بنكتة: أنّ العلم مأخوذ في لسان دليل حجّيّة الفتوى ـ يبقى ظهور الدليل في حجّيّة فتوى الأعلم محفوظاً، وإن لم يكن واضحاً لدى العرف، ولكنّه كان واضحاً لدى العقل، إذن يتمسّك بإطلاق الدليل لعنوان الفرد الثاني، بعد العلم بسقوط أحد الفردين إجمالاً، لعدم إمكان حجّيّتهما معاً، ثمّ يعيّن أحد الفردين الساقط في فتوى غير الأعلم بحكم العقل، فتثبت حجّيّة فتوى الأعلم.

إلاّ أنّ الصحيح: أنّ تزاحم مايفهمه العرف من ملاكي الحجّيّة في الفتويين لا يُبقي مجالاً للظهور، لا في حجّيّة فتوى الأعلم، ولا في عنوان الثاني، إلاّ إذا كان الفاصل بين الملاكين كبيراً، أي ما يكون بقدر الملاك الكامل في نظر العرف.

وقد يقال: إنّ البناء العقلائيّ من باب الرجوع إلى أهل الخبرة قائم على أساس ترجيح فتوى الأعلم ولو كانت الأعلميّة بدرجة ضئيلة، وهذا البناء والارتكاز يؤثّر على ظهور الأدلّة اللفظيّة، فتحمل أدلّة التقليد اللفظيّة على الطريقة العقلائيّة في التقليد، فينحفظ لها ظهور في حجّيّة فتوى الأعلم لدى التعارض، ولو كانت الأعلميّة بدرجة قليلة، ولو لم نقبل تأثير هذا البناء والارتكاز على ظهورات الأدلّة اللفظيّة، كفانا القول بأنـّه بعد سقوط الإطلاقات اللفظيّة يبقى لنا البناء العقلائيّ دليلاً تامّاً على حجّيّة فتوى الأعلم بعد ثبوت الإمضاء بعدم الردع.

وقد يفرض أنّ الفتويين المتعارضين أحدهما راجع إلى الأعلم غير الكفوء للقيادة، والآخر راجع إلى الكفوء غير الأعلم، فأيـّهما يقدّم؟

والكفاءة وإن كانت دخيلة في الأعلميّة، فإنّ نظرة الكفوء إلى مفاد الأدلّة تختلف كثيراً عن نظرة غير الكفوء في شتّى الأبواب، من قبيل فهم معنى أدلّة التقيّة، وأدلّة الجهاد، وأدلّة حرمة الربا في أنـّها هل تحرم الحيل التي تؤدّي إلى نتيجة الفوائد الربويّة أو لا، وأدلّة الولايات، وغير ذلك من الاُمور، ولكن مع ذلك قد يتصوّر فرض كون غير الكفوء أعلم؛ لأنّ الملاكات الدخيلة في الأعلميّة عديدة، أحدها الكفاءة، فقد يكون غير الكفوء أعلم بلحاظ قوّته في بعض الملاكات الاُخرى، كحدّة الذكاء مثلاً بمستوى يغلب على مقدار تأثير الكفاءة في الأعلميّة.