المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

89


وتحقيق الحال في المقام: أنّ الأدلّة اللفظيّة للتقليد على قسمين:

أحدهما: ما دلّ على منصب التقليد فقط، دون منصب الولاية، من قبيل: رواية أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من اُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال: العمريّ ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنـّه الثقة المأمون. وسأل ابا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمريّ وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنـّهما الثقتان المأمونان(1) . فقوله: (ما أدّى إليك عنّي) و(ما أدّيا إليك عنّي) وإن كان في حدّ ذاته ظاهراً في الإخبار عن الحسّ، فلا يشمل الفتوى، لكن السؤال وهو قوله: (من اُعامل، وعمّن آخذ، وقول من أقبل) قرينة على كون المقصود ما يعمّ الأداء الحسّيّ والحدسيّ، أي: ما يعم الرواية والفتوى؛ لأنّ التعامل والأخذ الذي هو محلّ الابتلاء ليس هو خصوص أخذ الحديث، بل كثيراً مّا يكون بلحاظ أخذ الفتوى، بل تخصيص كلمة التعامل بأخذ الحديث خلاف الظاهر جدّاً.

ورواية عبد الله بن يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنـّه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه، فقال: ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفيّ، فإنـّه سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً (مرضيّاً ـ خ لـ )(2) . فإنّ جواب سؤال السائل ليس دائماً بإعطاء الرواية، بل كثيراً ما يكون بإعطاء النتيجة المستفادة من الإطلاق ونحوه.

ورواية يونس بن يعقوب قال: كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما لكم من مفزع، أما لكم من مستراح تستريحون إليه، ما يمنعكم من الحرث بن المغيرة النضريّ؟(3) والمفزع والمستراح ليس هو من يؤخذ برواياته فحسب، بل من يؤخذ بفتواه أيضاً، ومبدأ الولاية ليس مستفاداً من هذا الحديث؛ لأنّ رأس خيط الارتباط اُعطي في الحديث هذا بيد الناس بفزعهم واستراحتهم إلى الحرث بن المغيرة، ولم يعط بيد الحرث بأن يكون له الأمر والنهي ابتداءً، حتى فيما لم


(1) الوسائل: ج 18، ب 11 من صفاة القاضي، ح 4، ص 100.

(2) نفس المصدر: ح 33 ص 105.

(3) نفس المصدر: ح 24 ص 105. وفي الوسائل: ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ص 145، ورد الحارث بن مغيرة النصريّ، وهو الصحيح، ولم يرد النضريّ في كتب الرجال.