المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

94


الفقيه الكفوء عن قيادتهم.

لا يقال: إنّ هذا يعني أنّ و جوب تقليد الكفوء الذي هو حكم ظاهريّ أيضاً، أصبح تابعاً لمصلحة سلوكيّة، أي أنّ هناك مصلحة في نفس تقليدهم له، وهي مصلحة تهيئة المناخ المناسب للقيادة أثّرت على تعيين الحكم الظاهريّ، في حين أنّ ظاهر أدلّة الأحكام الظاهريّة هي الطريقيّة البحتة لحفظ مصالح الأحكام الواقعيّة المتزاحمة فيما بينها في الحفظ لدى الجهل.

فإنـّه يقال: إنّ حجّيّة الفتوى في ذاتها حكم ظاهريّ، لا يشذّ عن باقي الأحكام الظاهريّة في أنـّها ـ بحسب طبعها الأوّليّـ إنـّما تكون لأجل حفظ الأحكام الواقعيّة لدى التزاحم الحفظيّ، ولكن سقوط رأي الأعلم عن الحجّيّة، ووصول النوبة بالتالي إلى حجّيّة رأي غير الأعلم، إنـّما كان نتيجة التزاحم بين هذا الحكم الظاهريّ ـ وهو حجّيّة رأي الأعلم ـ والحكم الواقعيّ ـ وهو وجوب تهيئة المناخ لقيادة القائد ـ وهذا له نظير في سائر الأبواب، فإنّ التزاحم كما قد يتّفق بين حكمين واقعيّين كما في الصلاة والإزالة، كذلك قد يتّفق بين حكمين ظاهريّين، أو حكم واقعيّ وحكم ظاهريّ، من دون سراية التزاحم إلى الحكمين الواقعيّين، كما لو فرضنا أنّ واجبي النفقة لم يكن تزاحم بين وجوبي الإنفاق عليهما، لكون المنفق مالكاً لما يكفي لنفقتهما معاً، ولكن كلّ منهما وقع الاشتباه فيه بين شخصين، فكان مقتضى الحكم الظاهريّ في كلّ منهما هو العمل بالعلم الإجماليّ بالانفاق على شخصين، بناءً على أنّ الاحتياط في مورد العلم الإجماليّ حكم ظاهريّ، والمنفق لم يكن قادراً على الإنفاق على أربعة أشخاص، فهنا قد وقع التزاحم بين حكمين ظاهريّين، من دون سريان التزاحم إلى الحكمين الواقعيّين، وكما لو فرضنا أنّ واجب النفقة تردّد بين شخصين، وقلنا: بأنّ وجوب الاحتياط بالإنفاق عليهما احتياط شرعىّ، فهو حكم ظاهريّ، ولكن كان ذلك مزاحماً لمصرف أهمّ يؤدّي إلى حفظ النفس مثلاً، حيث لم يكن المنفق قادراً على الجمع بين ذاك المصرف والإنفاق على طرفيّ العلم الإجماليّ بوجوب النفقة، في حين كان قادراً على الجمع بين ذاك المصرف والإنفاق على أحدهما، فالتزاحم وقع بين حكم ظاهريّ وحكم واقعيّ، من دون سراية ذلك إلى التزاحم بين حكمين واقعيّين.

هذا، ولو لم نقبل بالتزاحم بين تقليد الأعلم وقيادة غير الأعلم بلحاظ الفتاوى غير المرتبطة بموارد قيادته، فقد لا نناقش في قبول التزاحم بينهما بلحاظ الفتاوى التي لها دخل في أحكامه الولائيّة، حيث يصعب على القائد تنظيم أحكامه القياديّة وفق فتاوى من يقلّده الناس