المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

95


عندما يختلف الناس في التقليد، فهم يقلّدون فقهاء مختلفين يصعب الجمع بين فتاواهم وأخذها جيمعاً ـ رغم تعارضها ـ بعين الاعتبار في أحكامه الولائيّة، فحتى لو لم نؤمن في مثل هذا المورد بما مضى من تقديم رأي الكفوء على أساس الأخصّيّة التي شرحناها تأتي فكرة تقديم رأيه بلحاظ التزاحم الذي عرفت، ولو لم يصعب عليه تنظيم أحكامه القياديّة وفق فتاوى الآخرين، لكنّه لم يرَ داعياً إلى ذلك، ونظّمها وفق فتاواه هو باعتبار اعتقاده بأنـّها أحقّ من فتاوى غيره، تحقّق التزاحم أيضاً بالنسبة للناس، فتقدّم آراء الوليّ باعتبار أهمّيّة الولاية.

وهذان الطريقان اللذان سلكناهما لإثبات ترجيح رأي الكفوء في التقليد على رأي الأعلم يختلفان في بعض النتائج، فلو أخذنا بالاحتمال الثاني من الاحتمالين الماضيين في تفسير دليل الولاية، والذي أدّى إلى التفكيك بين القيادة والتقليد، ثمّ أثبتنا كون التقليد للكفوء بالطريق الثاني، فالنتائج لا تأتي مطابقة تماماً لما إذا أخذنا بالاحتمال الأوّل من الاحتمالين، وبالتالي آمنّا بالطريق الأوّل لترجيح الكفوء في التقليد، فمثلاً:

1 ـ إنّ الكفوء للقيادة لو لم يكن مستعدّاً للتصدّي للقيادة بأيّ سبب من الأسباب، فالطريق الثاني لا يعيّنه للتقليد في مقابل الأعلم غير الكفوء، بينما الطريق الأوّل يعيّنه لذلك.

2 ـ لو فرض كفوءان للقيادة أحدهما: هو المتصدّي عملاً، والآخر: هو الأعلم، فالطريق الثاني يعيّن الأوّل للتقليد حينما يكون تقليد الثاني مضرّاً بممارسة الأوّل لقيادة الساحة، بينما الطريق الأوّل لا يفي بذلك، فلو اقتصرنا على الطريق الأوّل كان مقتضى نظام الترجيح بالأعلميّة هو تقليد الثاني.

3 ـ إنّ الطريق الثاني ليس حدّيّاً كالطريق الأوّل؛ إذ ليس تقليد غير الكفوء بأيّ مستوىً من المستويات مزاحماً لقيادة الكفوء، فلو كان هناك قلّة من الناس يقلّدون غير الكفوء وكان غالبيّة أفرادهم يميّزون بين منصب القيادة ومنصب التقليد في الفتوى غير المؤثّرة على الأحكام الولائيّة للوليّ، فرغم تقليدهم لغير الكفوء يخضعون لقيادة الكفوء مثلاً، فلا تزاحم بين هذا التقليد وتلك القيادة كما هو واضح.

كما أنـّه لو تمّت توعية الاُمّة على التفكيك بين القيادة والتقليد في غير الاُمور الدخيلة في الأحكام الولائيّة للقائد، بحيث ارتفع التزاحم عملاً بين الأمرين، لم يبق مورد للاستفادة من الطريق الثاني، كما أنّ الطريق الأوّل عندي مشكل؛ لعدم وضوح ترجيح الاحتمال الأوّل من الاحتمالين الذين أبديناهما في القسم الثاني من أدلّة التقليد، ولا أقلّ من الإجمال.