المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

99

في كلّ واحد من الطرفين، أو نختار أنـّه لا يسري منه إلى الأفراد، فإن اخترنا الأوّل، فمنافاة الترخيص المطلق في كلّ طرف من الأطراف للإلزام بالجامع واضحة، وإن اخترنا الثاني، فعندئذ وإن لم تكن منافاة عقلية بينهما، إلاّ أنّ العرف يفهم من قوله: (ارخّصك في هذا وارخّصك في ذاك) ـ مع فرض التحفّظ على الإطلاقين ـ الترخيص في ترك الجامع، ويرى التهافت بين الترخيصين المطلقين والإلزام بالجامع، فما يمكن أن يستفاد من دليل الأصل لا يمكن التحفّظ عليه بلا تقييد، ومع التقييد يرجع إلى ما عرفت جوابه.

وقد تحصّل إلى هنا: أنّ الاُصول الترخيصيّة في أطراف العلم الإجماليّ تتساقط، إمـّا لمحذور عقليّ، وهو كون حكم العقل بحرمة المخالفة القطعيّة تنجيزيّاً كما هو مبناهم، أو لقصور في مرحلة الإثبات، وهو ارتكاز المناقضة بين الحكم الواقعيّ والترخيص في الأطراف في نظر العرف والعقلاء كما اخترناه.

إلاّ أنّ هنا شبهة تأتي على مبنانا دون مبناهم في المقام، وهي أنـّه لو فرضنا أنّ كلّ واحد من طرفي العلم الإجماليّ كان مورداً لأصل ترخيصيّ ليس الآخر مورداً له، فلو كان في الترخيص في المخالفة القعطيّة محذور عقليّ لتساقط الأصلان، لكن على مبنانا من كون الوجه في تساقط الاُصول ارتكاز المناقضة للحكم الواقعيّ في نظر العرف لا وجه لتساقط الأصلين في المقام، وذلك لأنّ الترخيصين لو كانا مستفادين من دليل واحد، فهذا الدليل كان يبتلى بالإجمال من ناحية الارتكاز، فكانت الاُصول تتساقط، ولكن حيث إنـّهما مستفادان من دليلين، فكلّ واحد من الدليلين بخصوصه ليس خلاف الارتكاز، فظهوره محفوظ، وإذا تحقّق الظهوران أخذنا بهما رغم أنـّهما بمجموعهما خلاف الارتكاز، إذ الظهور حجّة ما لم ترد حجّة على خلافه، والارتكاز ليس حجّة في المقام على خلافه، وغاية أثره هي رفع الظهور لو كان على خلافه، والمفروض انحفاظ الظهورين في المقام لعدم كون واحد منهما بنفسه خلاف الارتكاز.

لكنّ الصحيح في المقام: أنّ هذا الارتكاز يولّد ارتكازاً آخر، وهو ارتكاز استلزام الترخيص في أحد الطرفين للإلزام في الطرف الآخر، والملازمة العرفيّة كالملازمة العقليّة في توليد الدلالة الالتزاميّة للكلام، فتصبح لدليل الترخيص في كلّ واحد من الطرفين دلالة التزاميّة على الإلزام في الطرف الآخر، فيقع التعارض بين الدلالة المطابقيّة في كلّ من الجانبين والدلالة الالتزاميّة في الجانب الآخر، وتتساقطان(1) .


(1) وقد يجاب عن الإشكال في المقام بجواب آخر غير ما أفاده اُستاذنا الشهيد، وهو أن