المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

100

وعلى أيّ حال، فهذا الوجه لو تمّ أصله تندفع صغراه في المقام إذا قلنا بأنّ الطهارة الخبثيّة بنفسها حكم شرعي، فلا حاجة إلى تصوير حكم تكون هذه موضوعاً له.

والتحقيق: أنّ هذا الوجه غير صحيح كبرىً، فإنّ الجعل لا يحتاج إلى أزيد من إعمال العناية بالفرض والاعتبار، وفرض المشكوك معلوماً أو غير الموجود موجوداً ونحو ذلك. وهذا كما يتعقّل في باب الأحكام الشرعيّة وموضوعاتها يتعقّل في كلّ شيء. نعم، يبقى السؤال عن فائدة هذه العناية والاعتبار، وهذا يرجع إلى الإشكال الأوّل الذي عرفت جوابه، وليس المجعول في الاستصحاب إلاّ عناية من هذا القبيل، وباب الفرض والاعتبار واسع.

3 ـ أنّ مفاد دليل الاستصحاب حرمة نقض اليقين بالشكّ. والنقض هنا ليس بمعنى النقض الحقيقي كما هو واضح، بل بمعنى النقض العمليّ، فلا بدّ من قابليّة المستصحب لأن يكون له نقض عمليّ وجري عمليّ، أي: أن يكون قابلاً للتنجيز والتعذير بنفسه أو بأثره، كما ياتي توضيحه في الأبحاث الآتية ـ إن شاء الله ـ. وهذا إشكال إثباتي وليس إشكالاً ثبوتياً، فلو كان تصوير الشرطيّة في المقام بنحو يكون ثبوتاً جريان الاستصحاب فيه منحصراً بما لا يسلم من هذا الإشكال لكانت نفس صحيحة زرارة في المقام دليلاً على أنّه لا يشترط في الاستصحاب كون المستصحب قابلاً للنقض العمليّ والجري العمليّ، ويكفي فيه كون نفس الاستصحاب ذا أثر عمليّ، ولكن بما أنّ تصوير الشرطيّة ليس منحصراً بذلك لما سيتضح ـ إن شاء الله ـ في المقام الثاني من أنّ بالإمكان تصوير كون الطهارة مصداقاً من مصاديق الشرط، وأنّ هذا يحل الإشكال، فهذا الإشكال يبقى مسجّلاً في المقام على الفروض التي تعزل الطهارة عن الشرطية نهائياً، ولا جواب عليه.

إلاّ أنّ الشيخ الآخوند(رحمه الله) حاول الجواب(1) عن ذلك بوجهين:

1 ـ أنّ الطهارة الواقعية وإن لم تكن موضوعاً للشرطيّة، لكنّها قيد لموضوع الشرطيّة؛ فإنّ موضوع الشرطيّة هو إحراز الطهارة لا إحراز أيّ شيء، فهو قيد القيد.

وهذا جوابه واضح؛ فإنّ ما يكون قيداً هو الوجود العنواني الذهني المقوّم للصورة الذهنية في اُفق الإحراز، لا الوجود الواقعي، وإلاّ لبطلت الصلاة بانتفاء الطهارة، وهو خلف.

 


القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 51.

(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 292، حسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليق المشكيني.