المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

117

أمّا كلامه الأوّل، فيرد عليه: أنّ الحمل على التقيّة بعيد جدّاً؛ لوجود قرائن عديدة على خلافه:

القرينة الاُولى: أنّ قوله: «قام فأضاف إليها ركعة اُخرى» ظاهر في الانفصال الذي هو خلاف التقيّة. وصحيح أنّه لم يذكر الانفصال، وصحيح أنّ الانفصال مؤونة زائدة ومع عدم القرينة تنفى بالإطلاق، لكنّ القرينة موجودة، وهي بداية الحديث الواردة في الشكّ بين الاثنتين والأربع الظاهرة في ركعتي الاحتياط المفصولتين، فسكوته عن بيان الانفصال في الفرض الثاني يعدُّ تعويلاً على ما سبق. والوجه في ما ادّعيناه من ظهور بداية الحديث في الانفصال أمران:

الأوّل: ذكر كلمة (فاتحة الكتاب) فإنّها تدلّ على إرادة الانفصال بضمّ ارتكازين أحدهما إلى الآخر: الأوّل: ارتكاز أنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، وأنّ كلّ صلاة مستقلّة تحتاج إلى فاتحة الكتاب. والثاني: ارتكاز كفاية التسبيحة في الأخيرتين، حتّى إنّه لم تعرف فتوىً عن فقيه شيعي بعينه بتعيّن الفاتحة، وقد روى زرارة نفسه روايات كثيرة(1) في ورود التسبيحة في الأخيرتين، أفتى جماعة من العلماء على أساسها بتعيّن التسبيحة، وأفتى الأكثرون بأفضليّتها. وعليه فتكون فاتحة الكتاب من الخواصّ واللوازم الظاهرة لفرض الركعتين مستقلتين ومفصولتين، فيكون الكلام ظاهراً في الملزوم بذكر اللازم الظاهر له.

إن قلت: نحمل الكلام على تقيّتين: (الاُولى) التقيّة في فرض الركعتين متّصلتين. (والثانية) التقيّة في فرض الفاتحة في الركعتين الأخيرتين؛ لأنّ مذهب العامّة هو وجوب الفاتحة فيهما، وإنما اختلفوا في كفاية الفاتحة أو الاحتياج إلى ضمّ السورة مثلاً.

قلت: أوّلاً: لم تكن حاجة إلى التقيّة الثانية؛ إذ لم يسأل الراوي عن حكم الفاتحة حتّى يجيب الإمام(عليه السلام) بلزوم الفاتحة، وإنّما هذا كلام ابتدائي من قبله(عليه السلام)، فأيّ داع إلى التبرّع بذكر حكم مع الابتلاء ببيان خلاف الواقع تقيّة؟!

وثانياً: أنّ هذا لا يدفع ظهور مثل هذا الكلام عند الشيعة في إرادة الركعتين المفصولتين؛ فإنّ الشيعي المرتكز في ذهنه كون الفاتحة من خواصّ فرض الاستقلال ينسبق ـ لا محالة ـ إلى ذهنه من هذا الكلام الاستقلال والانفصال.

نعم، قد يصلح هذا نكتة لاختيار تعبير من هذا القبيل بحيث يفهم الشيعي منه شيئاً


(1) في الوسائل: ج 6، ب 42 و 51 من القراءة في الصلاة، بحسب طبعة آل البيت.