المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

118

ويفهم السنّي منه شيئاً آخر، فلا يكون مثيراً لمشاعرهم.

الثاني: ذكر خصوصيّات هاتين الركعتين من أجزاء وشرائط، حيث قال: «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب، ويتشهّد، ولا شيء عليه»، فلو كان المقصود الركعتين المتّصلتين لم تكن أيّ حاجة إلى ذكر أجزاء وشرائط لهما، أفهل كان شكّ في أنّ الركعتين الأخيرتين مشتملتان على ركوعين وأربع سجدات؟ أو في أنّهما ركعتان من قيام؟ أو في لزوم التشهّد بعدهما؟! فيظهر أنّ المقصود هو بيان صلاة مستقلّة، صار بصدد ذكر أجزائها وشرائطها، فقد يسأل سائل عن عدد سجدات هذه الصلاة، هل هي مثلاً من قبيل صلاة الآيات التي فيها ركوعان ولكن فيها عشرة سجودات؟ فذكر(عليه السلام): أنّ هذه الصلاة فيها ركوعان وأربع سجدات، وقد يسأل سائل: أنّ هذه الصلاة قيامية أو جلوسية؟ فذكر(عليه السلام): أنّها قيامية، وكذلك ذكر(عليه السلام) الحاجة إلى الحمد والتشهّد.

القرينة الثانية: أنّه من البعيد جدّاً ـ بحساب الاحتمالات ـ أنّ الإمام(عليه السلام) لم يكن بصدد التقيّة في أوّل الكلام، فذكر في الفرع الأوّل لزوم ركعتين منفصلتين، وصار بصدد التقيّة في آخره، خصوصاً مع قصر الكلام الذي لا يتجاوز سطرين، ولو فرض فارض دخول شخص في الأثناء يُتّقى منه قلنا: لماذا تبرّع الإمام(عليه السلام) بذكر الفرع الثاني حتّى يبيّنه على خلاف الواقع تقيّه، فإن السائل لم يسأل عن الفرع الثاني حتّى يبتلي الإمام(عليه السلام) بالتقيّة، ويضطرّ إلى بيان جواب على خلاف الواقع(1).

القرينة الثالثة: إصرار الإمام على هذا الحكم وبيانه بعبائر مختلفة حيث قال: «قام فأضاف إليها ركعة اُخرى، ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشكّ، ولا يدخل الشكّ في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكن ينقض الشكّ باليقين، ويتمّ على اليقين، فيبني عليه، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات»، فإنّه من المعلوم أنّ مثل هذا الحرص على البيان والتأكيد لا يكون غالباً إلاّ عند بيان الحكم الواقعي، وإذا كان المقصود بيان حكم على خلاف الواقع تقيّة فأيّ داع إلى هذا التكرار والتأكيد على خلاف الواقع؟! ولا يصحّ حمل


(1) لا بأس بهذا البيان، وكذا البيان اللاحق ما دمنا بصدد دفع تصحيح الاستدلال بالحديث على كبرى الاستصحاب بحمل تطبيقه على التقيّة دون كبراه. أمّا لو كنا بصدد دفع إسقاط الحديث نهائياً عن الحجّيّة لموافقته للعامّة، فقد يقال: إنّ مجرّد عدم وجود الداعي إلى ذكر الفرع الثاني لا يمنع إسقاط الحديث عن الحجّيّة بموافقته للعامّة بناءً على أنّ المستفاد من الأخبار العلاجية هو إسقاط ما وافق القوم الأعم من إحتمال التقية واحتمال الكذب، أي: أنّ موافقة القوم أمارة على مخالفته للواقع، وهي تنسجم مع التقيّة ومع الكذب.