المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

120

مع الوجه الثالث يختلفان أساساً عن الوجه الأوّل في أنّ الوجه الأوّل اختير فيه حمل الركعة المذكورة في الحديث على الموصولة، وحمل الحديث على التقية، واُجيب على محذور التقيّة. وأمّا في هذين الجوابين فيختار حمل الركعة على المفصولة، ويعالج محذور مخالفة ذلك للاستصحاب.

فقد أجاب المحقّق الخراساني(رحمه الله) عن الإشكال بأنّ مقتضى إطلاق الاستصحاب ترتّب أثرين في المقام: أحدهما: بقاء الأمر بإتيان ركعة رابعة، والثاني: بقاء لزوم كونها موصولة. ومانعيّة التشهّد والتسليم والتكبيرة والأثر الثاني انتفى هنا، ولم يترتّب إلاّ الأثر الآخر، ولا يلزم من ذلك شيء عدا تقييد إطلاق الاستصحاب، ولا محذور في ذلك(1).

أقول: إنّ عدم ترتّب الأثر الثاني في المقام يمكن فرضه بنحوين:

1 ـ ما ذكره هو(قدس سره) من تخصيص إطلاق الاستصحاب.

2 ـ إخراجه تخصّصاً، بأن يفرض أنّ الأثر الثاني انتفى واقعاً، أي: أنّ عدم إتيان الركعة الرابعة إنّما يكون له أثران عند العلم، فمن علم بأنّه لم يأتِ بها ترتّب على ذلك: أوّلاً: لزوم الإتيان بها، وثانياً: لزوم الوصل. وأمّا عند الشكّ فلا يكون له واقعاً إلاّ الأثر الأوّل، ولا يجب الوصل، ولا يكون التشهّد والتسليم والتكبير مانعاً واقعاً.

وكان على المحقّق الخراساني(رحمه الله) أن يذكر النحو الثاني لا الأوّل؛ وذلك لبطلانه من وجهين:

الأوّل: أنّنا لو أرجعنا الأمر إلى تخصيص إطلاق الاستصحاب وإسقاطه عن الحجّيّة في أحد أثري الواقع مع ثبوت الواقع على حاله، لزم من ذلك عدم مطابقة ما أتى به من الصلاة للحكم الواقعي على تقدير مطابقة الاستصحاب للواقع، بمعنى: أنّه كان في علم الله لم يأتِ إلاّ بثلاث ركع؛ وذلك لأنّه لم يعمل بكلا أثري الواقع.

وقد تقول: لا بأس بذلك، فليكن ما أتى به حتّى على تقدير مطابقة الاستصحاب للواقع (أو قل: حتّى على تقدير أنّه لم يكن قد أتى إلاّ بثلاث ركع) عملاً بالحكم الظاهري لا الواقعي؛ لأنّ أحد أثري الواقع قد كان مرفوعاً عنه ظاهراً، وليكن الإجزاء الذي لا إشكال فيه فقهياً حتّى بعد انكشاف الواقع لديه من باب إجزاء الحكم الظاهري عن الواقع.

ولكننا نقول: إنّ هذا خلاف الضرورة الفقهية؛ إذ من الضرورة الفقهية أنّ وظيفته الواقعية على تقدير أنّه لم يأتِ إلاّ بثلاث ركع وهي وجوب الركعة الموصولة قد انقلبت،


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 295 حسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.