المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

124

يكن ممكناً: إمّا عقلاً أو عقلائيّاً، ولا يشترط فيه إمكان وصوله وجداناً، فهذا الإشكال لا موضوع له في المقام؛ لإمكان التنجّز في المقام بالاستصحاب أو بنفس الشكّ الذي هو شكّ في مرحلة الامتثال، وهذا الاختلاف بيننا وبين المحقّق الإصفهاني(قدس سره) في المبنى(1) يرتبط بأبحاث في تصوّر الحكم وحقيقته، ليس هنا محلّ شرحها.

الثالثة: مبنيّة على أصل موضوعيّ صحيح عندنا يأتي بعد هذا بيانه ـ إن شاء الله ـ، وهو: أنّ مفاد قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» هو أنّه اِجعَلْ الشكّ خَلَفاً لليقين في تحريكه نحو ما كان يحرّك اليقين إليه، ولا ترفع يدك عمّا كان يحرّكك اليقين إليه لو كان باقياً بمجرّد الشكّ. وعلى هذا نقول: إنّ هذا المعنى لدليل الاستصحاب لا ينطبق في مورد يكون الحكم مع الشكّ غيره مع اليقين كما في المقام، فاليقين لو كان، لكان يحرّكنا نحو الأمر بركعة موصولة، والشكّ هنا يحرّكنا نحو أمر آخر متعلّق بركعة منفصلة، بعد ما عرفت من أنّ هذا أمر اخر مغاير للأمر الأوّل ولو عرفاً.

وللمحقّق النائيني(قدس سره) أن يجيب على هذا الإشكال، بأنّ اليقين في المقام له جهتان:

الجهة الاُولى إثباته لجزء الموضوع لوجوب الركعة المفصولة، وهو عدم الإتيان بالركعة الرابعة، فيقتضي التحريك نحو الركعة المفصولة بمقدار ما يقتضيه ثبوت جزء الموضوع.

والجهة الثانية هدمه للجزء الثاني لذلك، وهو الشكّ، فيبطل بذلك ما اقتضاه في الجهة الاُولى، ويُبقيه بلا ثمرة.

والاستصحاب في المقام إنّما يقتضي خَلَفيّة الشكّ لليقين في الجهة الاُولى دون الثانية، فيثبت الاقتضاء الموجود في الجهة الاُولى من دون أن تهدمه الجهة الثانية، وبذلك يثبت الجزء الأوّل، ويضمّ ذلك إلى تحقّق الجزء الثاني وجداناً، وهو الشك، فيثبت المطلوب.

إلاّ أنّ الشأن في أنّه بعد هذا التفكيك هل تصدق عرفاً الخَلَفيّة بحيث يبقى الاستصحاب


(1) لم أرَ في كتاب الشيخ الإصفهاني في غير هذا الموضع ما يوحي إلى أنّ الحكم يجب أن يكون قابلاً للوصول الوجداني. ويوجد له في الجزء الثالث من نهاية الدراية في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ص 122 بحسب طبعة آل البيت، إن لم يكن موحياً إلى كفاية قابليّة الوصول بأيّ نحو من الأنحاد، فهو لا يوحي إلى الخلاف، حيث قال: (وقد عرفت أنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي الذي هو تمام ما بيد المولى لا يعقل أن يتّصف بصفة الدعوة إمكاناً، إلاّ بعد وصوله إلى العبد بنحو من أنحاء الوصول...).

وأنا أظنّ أنّ مقصود الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) في المقام هو: أنّ هذا الحكم غير قابل للوصول من باب أنّ أحد جزئيه وهو عدم الإتيان بالركعة الرابعة لو وصل وجداناً أو تعبّداً لانتفى الجزء الآخر، وهو الشكّ وجداناً أو تعبّداً، أي: أنّ هذه الشبهة ترجع في الحقيقة إلى الشبهة الاُولى.