المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

130

والجواب: أنّ البراءة عن المانعيّة لا تعارض هنا بالبراءة عن الجزئيّة، باعتبار أنّ الشكّ في الجزئيّة هنا يكون مورداً للشكّ في الامتثال، حيث إنّه يعلم بجزئيّة ركعات أربع، ويشكّ في أنّه هل امتثل ذلك أو لا، فالمورد مورد الاشتغال لا البراءة. وأمّا في جانب المانعيّة فهو يعلم تفصيلاً بمانعيّة ركعة اُخرى بعد هذه الركعة؛ لزيادتها حتماً، ويشكّ في مانعيّة هذه الركعة شكّاً بدويّاً، وهذه شبهة مصداقية للتكليف، فتجري البراءة فيه(1).

والثاني: أنّنا نعلم إجمالاً بمانعيّة هذه الركعة أو مانعية التشهّد والتسليم الآن، إذ لو كان قد أتى بركعات أربع فهذه الركعة زائدة ومبطلة للصلاة. ولو كان قد أتى بثلاث ركعات، فإن تشهّد وسلّم كان ذلك زيادة؛ لوقوعهما قبل الركعة الرابعة، وهو خلاف الترتيب، فيعلم إجمالاً بزيادة أحد الأمرين ومانعيّته، فيقع التعارض بين البراءتين.

وهذا الإشكال لا جواب عليه بناءً على مبنانا في تنجيز العلم الإجمالي وتعارض الاُصول الذي حقّقناه في محلّه. وأمّا بناءً على الميزان الذي أخذه المحقّق النائيني(رحمه الله) في تنجيز العلم الإجمالي من كون الاُصول موجبة للترخيص في المخالفة القطعيّة، فيمكن دفع هذا الإشكال؛ لأنّ الأصول في المقام لا تؤدّي إلى المخالفة القطعيّة(2). فإنّه لو تشهّد وسلّم لم يكن


(1) قد تقول: كيف تجري البراءة عن المانعية هنا في نظر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) مع أنّه مضى منه عدم جريان البراءة عن مانعيّة النجاسة لدى احتمال نجاسة الثوب بحجّة أنّ فعلية المانعية لا تتوقّف على فعلية المانع؟!

ويمكن الجواب عن ذلك ببيان: أنّه مضى منه(رحمه الله) أنّه إن بنينا على مانعية نجاسة الثوب فالبراءة لا تجري؛ لأنّ المانعية فعليّة حتّى مع عدم فعلية المانع. أمّا إن بنينا على أنّ الثوب النجس مانع بأن كانت النجاسة حيثية تعليلية لمانعية الثوب، فالشكّ في النجاسة يؤدّي إلى الشكّ في مانعية الثوب، فتجري البراءة. وفيما نحن فيه نستظهر من أدلّة مانعية الزيادة أنّ الركعة الزائدة مانعة، أي: أنّ الزيادة حيثيّة تعليليّة لمانعيّة الركعة، فالركعة حالها حال الثوب، والزيادة حالها حال النجاسة، ومع الشكّ في الزيادة نشكّ في مانعيّة الركعة، فتجري البراءة.

(2) لو بنينا على مبنى المحقّق النائيني(رحمه الله) من أنّ محذور جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي لزوم الترخيص في المخالفة القطعية، فهذا المحذور غير موجود في المقام كما هو مشروح في المتن. ولو بنينا على مبنى السيد الخوئي من أنّ المحذور في ذلك لزوم الترخيص القطعي في المخالفة، فهذا المحذور موجود في المقام بلا إشكال؛ لأنّ إحدى البراءتين ترخيص في المخالفة قطعاً، وذلك للقطع بمخالفة إحداهما للواقع. ولو بنينا على ما مضى من اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في بحث شبهة التخيير التي ذكرها المحقّق العراقي(قدس سره) كنقض على إنكار علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، من أنّ المحذور وإن كان في الترخيص في المخالفة القطعيّة لا في الترخيص القطعي في المخالفة، ولكن مع ذلك لا يمكن إجراء الأصلين على شكل التخيير؛ لأنّ التخيير في الترخيص الظاهري يعود إلى الترخيص في الجامع، وهو لا يستنبط من الجمع بين دليل الترخيصين التعيينيّين زائداً دليل عدم الترخيص في المخالفة القطعية، فهذا المحذور بعينه يأتي في ما نحن فيه؛ لأنّ المخالفة القطعية ممكنة في المقام، غاية الأمر أنّها تؤدّي إلى المخالفة القطعيّة