المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

133

فالاستصحاب وإن كان لا يجري إلاّ في الأحكام الشرعيّة أو موضوعاتها، لكن عدم الامتثال موضوع للحكم الشرعي ولو بقاءً، فلا بأس باستصحابه.

المسلك الثاني: أن يقال: إنّه لا حاجة إلى كون المستصحب حكماً أو موضوعاً لحكم شرعي، فحتّى بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الوجوب لا يسقط بالامتثال، وأنّ عدم الامتثال ليس مأخوذاً في موضوع الحكم بقاءً، وإنّما الذي يسقط بالامتثال هو فاعليّة الحكم لا فعليّته، نقول بجريان الاستصحاب في باب الامتثال رغم عدم كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي؛ وذلك باعتبار إمكان جعل الاُصول المؤمّنة والمنجّزة في مرحلة الامتثال، كما في قاعدة الفراغ، فإذا كان الأصل مؤمّناً كان حاكماً على قاعدة الاشتغال الجارية في مرحلة الامتثال، وإذا كان منجِّزاً كان مؤكِّداً لها، وقبول المرحلة للتنجيز والتعذير كاف في جريان الاستصحاب ولو لم يكن المستصحب حكماً أو موضوع حكم، فإنّ دليل الاستصحاب يدلّ على لزوم الحركة والمشي نحو ما لو كان اليقين ثابتاً كان يحرّك عقلاً إليه بما هو يقين طريقي. وفي ما نحن فيه لو كان اليقين بعدم الامتثال ثابتاً لكان يحرّك نحو الامتثال، فعند الشكّ ـ أيضاً ـ لا بدّ من الحركة نحو الامتثال. ويأتي توضيح ذلك في تنبيه من تنبيهات المسألة إن شاء الله.

والآن نتكلّم في موضوع بحثنا تارةً على المسلك الأوّل، واُخرى على المسلك الثاني:

أمّا لو بنينا على المسلك الأوّل، وهو: أنّ استصحاب عدم الامتثال يجري لكونه منقّحاً لموضوع الحكم بقاءً، فبالإمكان أن يقال: إنّ هذا وإن كان يصحّح استصحاب عدم الامتثال في التكاليف الاستقلالية، ولكن يمكن أن يورد عليه في المقام بإيرادين:

الإيراد الأوّل: أنّ الوجوب الضمني إنّما يسقط بسقوط ما هو في ضمنه من الوجوب الاستقلالي، وهو لا يسقط إلاّ بالانتهاء من العمل، بأن يأتي بالركعات الأربع مع التشهّد والتسليم، فهو الآن عالم بعدم سقوط الوجوب، فلا معنىً لاثبات الوجوب باستصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة.

الإيراد الثاني: أنّ هذا الاستصحاب لا يمكنه أن يثبت وجوب الإتيان بالركعة الرابعة؛ لأنّ هذا الوجوب مشروط بالقدرة ككلّ وجوب، وإنّما يكون قادراً على الإتيان بالركعة الرابعة إن لم يكن قد أتى بها، أي: أنّه إنّما يكون قادراً على امتثال هذا الحكم الظاهري إن كان مطابقاً للواقع. وجعل حكم ظاهري مشروط بالمطابقة للواقع غير معقول؛ لأنّه غير قابل