المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

134

للوصول حتّى يحرّك(1).

ويمكن أن يقال: إنّ هذا الإيراد إنّما يرد إذا استظهرنا فقهياً وجوب الركعة الرابعة بما هي رابعة. وأمّا إذا استظهرنا وجوب ذات الركعات، أي: أنّه تجب ركعة وركعة وركعة وركعة، فهذا الاستصحاب إنّما يثبت وجوب إتيان ركعة. وهذا أمر بشيء مقدور حتماً.

إلاّ أنّ التحقيق: أنّ هذا الإشكال يتسجّل حتّى بناءً على كون الواجب ركعة وركعة وركعة وركعة، بغضّ النظر عن عناوين الأعداد، وذلك بالالتفات إلى مسألة مانعيّة الزيادة، وأنّ عدم الزيادة ـ أيضاً ـ واجب ضمني كالركعة الرابعة، ولا بدّ من لحاظ مجموع الوجوبات الضمنيّة، فيظهر بذلك أنّ الذي يثبت بهذا الاستصحاب هو وجوب ركعة مع عدم الزيادة، أو قل: يثبت عليه وجوب الإتيان بركعة في صلاة لا يوجد فيها زيادة(2). وهذا الحكم يشكّ في القدرة على امتثاله، وإنّما يكون قادراً عليه إذا كان الاستصحاب مطابقاً للواقع، وإلاّ تحقّقت الزيادة بالركعة الجديدة. وعليه، فالإشكال ثابت على حاله.

نعم، إنّ هذا الإشكال مبنيّ على مبنىً مختار لنا من كون مفاد الاستصحاب حكماً تكليفياً، فيكون عند ئذ مشروطاً بالقدرة. وأمّا على سائر المباني في الاستصحاب فلا يرد هذا الإشكال(3).

 


(1) ولا يقال: إنّنا وإن شككنا في القدرة لكنّنا نتمسّك بأصالة الاشتغال، وذلك بدعوى: أنّ الشكّ في التكليف إن كان ناتجاً من الشكّ في القدرة كان مجرىً لقاعدة الاشتغال، فإنّه يقال: إنّ أصالة الاشتغال كانت ثابتة منذ البدء، فلا داعي إلى توسيط الاستصحاب.

(2) أو قل: إنّ الواجب عليه هو الإتيان بركعة غير زائدة، وهو غير قادر على ذلك على تقدير أنّه قد أتى بالركعة الرابعة.

(3) قد يقال: إنّه لا فرق في المقام بين افتراض كون مفاد الاستصحاب حكماً تكليفيّاً وعدمه، فإنّه حتّى بناءً على عدم كون مفاده حكماً تكليفيّاً لا إشكال في أنّ الاستصحاب أصل عمليّ يجب أن ينتهي إلى أثر عمليّ وإلى التحريك أو التعذير، ومع فرض عدم القدرة على التحرك لا معنى لإجرائه، وقد تقيّدت القدرة على التحرّك بمطابقته للواقع حسب الفرض، فأصبح جريان الاستصحاب مشروطاً ـ أيضاً ـ بمطابقته للواقع.

والجواب: أنّ الاستصحاب لو كان مفاده مجرّد تنجيز الواقع مثلاً، كفى في قابليّة الواقع للتنجيز احتمال القدرة، فإنّ معنى تنجيزه ـ عند ئذ ـ هو ضرورة محاولة المكلّف للوصول إليه ما لم يثبت لديه عجزه عن الوصول، (وطبعاً ليس المقصود بالتنجيز ذاك الحكم العقليّ الذي لا يقبل دخل الشرع فيه، وإنّما المقصود به إبراز اهتمام المولى بالواقع على تقدير ثبوته، وهو كاف لضرورة المحاولة من قبل المكلف رغم شكّه في القدرة؛ لأنّه يعلم أنّه على تقدير تحقّق القدرة فالمولى لا يرضى بفوات الواقع).

أمّا لو كان مفاد الاستصحاب جعل حكم تكليفي، فهو كأيّ حكم آخر مشروط بالقدرة، ومع الشكّ في