المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

135

ثمّ إنّ حال هذين الإشكالين يختلف وروداً وعدماً باختلاف المباني في باب سقوط الوجوبات الضمنيّة، فلنذكر أوّلاً تلك المباني وحال هذين الإشكالين بناءً عليها، ثمّ ننتقل إلى بيان ما هو الصحيح من تلك المباني:

أما المباني في باب الوجوبات الضمنية فهي ما يلي:

إمّا أن نبني على أنّ الوجوبات الضمنيّة تسقط كلّها دفعة واحدة بانتهاء العمل، لا بالتدريج.

وإمّا أن نبني على أنّ امتثال بعضها يوجب سقوط ذاك البعض، فمن أتى بثلاث ركعات مثلاً سقطت عنه الوجوبات الضمنية المتعلّقة بتلك الركعات، ولو أبطل صلاته تولّد أمر جديد(1) وبعث جديد بتلك الأجزاء من باب وجود الملاك، ولازم هذا المبنى كون الأمر الضمني الباقي متعلّقاً بركعة رابعة في هذه الصلاة لا بركعة رابعة كلّية؛ وذلك لأنّ الصلاة المطلوبة للمولى هي أربع ركعات في صلاة واحدة، لا أربع ركعات ملفّقة، فالأمر بالركعة الرابعة أمر متعلّق برابعة لتلك الثلاث التي يمتثل بها الأوامر الضمنيّة السابقة، فما دامت تلك الثلاث باقية على كلّيتها تكون هذه ـ أيضاً ـ كلّيّة، ومهما طبّقت خارجاً على مصداق معيّن انحصر مصداق هذا الأمر ـ أيضاً ـ فيما يكمّل ذاك المصداق؛ لأنّه أمر برابعة تلك الثلاث.

 


القدرة يشكّ في أصل هذا الحكم. واستصحاب القدرة ـ أيضاً ـ لا يفيد شيئاً؛ لأنّ هذا الاستصحاب ـ أيضاً ـ مفاده جعل الحكم التكليفي وفق الحكم المترتّب على القدرة، وهذا الحكم بنفسه مشكوك المقدوريّة، فمرّةً اُخرى نقع في إشكال صيرورة الاستصحاب مشروطاً بمطابقته للواقع.

وقد تقول: إنّ مبنى الاُستاذ(رحمه الله) هو: أنّ الأحكام الظاهريّة كلّها إبرازات لاهتمام المولى بالواقع على تقدير ثبوته، وهذا غير الحكم التكلفيّ، ويكفي في معقوليّة ذلك احتمال القدرة، فإنّ معنى الاستصحاب ـ عند ئذ ـ هو أنّ الواقع على تقدير ثبوته لا يرضى المولى بفواته، وهذا يكفي في تحريك العبد نحو محاولة الامتثال بمجرّد احتماله للقدرة عليه.

والجواب: أنّ اُستاذنا(رحمه الله) وإن كان يؤمن بأنّ روح الأحكام الظاهرية هو ذلك، ولكنّ الكلام فعلاً في لسان دليل الاستصحاب لا في روحه؛ إذ لو سلّمنا أنّ لسان دليل الاستصحاب هو لسان الحكم التكليفي، وأنّ هذا اللسان لا يناسب عرفاً شموله لفرض عدم القدرة، فهو يختصّ بفرض القدرة، وبالتالي لا يصل إلى العبد إلاّ لدى علمه بالقدرة، أو قل في المقام لا يصل إلى العبد إلاّ لدى علمه بمطابقته للواقع، ومع علمه بذلك لا حاجة له إلى الاستصحاب.

(1) ذكر اُستاذنا(رضوان الله عليه): إنّنا نتكلّم على المنهج المعروف من جعل الكلام في البعث، لا في روح الحكم الذي هو الحبّ، والذي يكون من الواضح عدم تجدّده بالإبطال، بل عدم زواله بالامتثال.