المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

136

وإما أن نبني على أنّ الوجوبات الضمنية تسقط بالتدريج كما مضى في المبنى الثاني، إلاّ أنّه نقول: إنّ الأمر بالركعات الثلاث مثلاً لا يكفي في سقوطه الإتيان بها، بل يشترط في سقوطه شرط متأخّر، وهو الإتيان بباقي الصلاة فيما بعد. وهذه المباني كلّها تكون بغضّ النظر عمّا أشرنا إليه من أنّ الحقّ هو عدم سقوط الأمر بالامتثال حتّى إذا كان استقلالياً.

وحال ما مضى من الإشكالين يختلف باختلاف هذه المباني.

أمّا الإشكال الأوّل ـ وهو أنّ وجوب الركعة الرابعة مقطوع البقاء، فلا معنى لاثباته باستصحاب عدم الإتيان بها ـ فهو يختصّ بالمبنى الأوّل؛ إذ على المبنى الثاني لا علم ببقاء الوجوب، فإنّ الوجوب ساقط لو كان قد أتى بها، وكذلك على المبنى الثالث، فإنّ الوجوب ساقط على تقدير أنّه أتى بها، وأنّه سوف يأتي بباقي الصلاة.

وأمّا الإشكال الثاني ـ وهو أنّ الوجوب المستفاد بالاستصحاب لا يقدر على امتثاله إلاّ إذا كان الاستصحاب مطابقاً للواقع، والحكم الظاهري المشروط بالمطابقة للواقع لا يقبل الوصول، وبالتالي لا يقبل التحريك ـ فبناءً على المبنى الأوّل الذي تسجّل فيه الإشكال الأوّل لم يبقَ موضوع لهذا الإشكال؛ لأنّ الاستصحاب ـ حسب ما فرض في الإشكال الأوّل ـ لا يثبت وجوباً ظاهرياً حتّى يتكلّم في اشتراطه بالقدرة، وبالتالي بموافقته للواقع وعدمه. نعم، بعد التنزّل عن الإشكال الأوّل تصل النوبة إلى الإشكال الثاني. والحقّ عدم وروده؛ لثبوت القدرة على الامتثال حتماً ولو بإعادة الصلاة؛ لأنّ الأمر بالركعة الرابعة أمر بكلّي الرابعة ولو في ضمن صلاة اُخرى؛ إذ لم تنطبق بعدُ الأوامر الضمنية السابقة ـ بناءً على هذا المبنى ـ على ما أتى به من الركعات الثلاث، حتّى يقال بلزوم انطباق هذا الأمر الضمني ـ أيضاً ـ بركعة في هذه الصلاة.

وأمّا على المبنى الثاني فيتسجّل هذا الإشكال الثاني؛ وذلك لأنّ الأمر بالركعة الرابعة ـ على ما عرفت من لازم هذا المبنى ـ قد تعلّق برابعة هذه الصلاة بالذات، فيأتي ـ لا محالة ـ إشكال إرتباط القدرة على ذلك بمطابقة الاستصحاب للواقع؛ إذ لو كان في الواقع قد أتى بركعة رابعة لم يقدر على امتثال هذا الحكم الظاهري إمّا من باب دخل عنوان الرابعة فيه، أو من باب دخل عدم الزيادة فيه.

وأمّا على المبنى الثالث فلا يرد هذا الإشكال؛ وذلك لأنّ الشرط المتأخّر دخيل في تحقّق امتثال الأوامر الضمنية السابقة، والأمر بالصلاة في الرتبة السابقة على الامتثال أمر بالكلّي، وهو قادر على الإتيان به ولو ضمن فرد آخر. وفي الرتبة المتأخّرة عن الامتثال المساوق