المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

146

1 ـ إنّه لم يفرض في الحديث كون الشكّ في ميدان الفراغ، ولم يشر إلى ذلك أيّ إشارة، مع أنّ هذا مؤونة تحتاج إلى البيان، وذكر الصدوق له في باب الخلل في الصلاة والشكّ في الركعات قد يكون بسبب كون ذلك مصداقاً من مصاديق الحديث، وليس شاهداً على أنّ الحديث كان مشتملاً على قرينة كانت تصرفه إلى مثل تلك الموارد.

2 ـ إنّه عبّر(عليه السلام) (إبنِ على اليقين) ولم يقل: حصّل اليقين، وهذا ظاهره الفراغ عن يقين ثابت يأمر ببناء عمله عليه، لا الأمر بتحصيل اليقين حتّى يحمل على لزوم تحصيل اليقين بالفراغ، والنكتة في ذلك هي: أنّ متعلّق المتعلّق المصطلح عليه في اُصول المحقّق النائيني(رحمه الله)بالموضوع يكون بحسب نظر العرف مأخوذاً مقدّر الوجود، فلو قيل: أكرم العالم كان معنى ذلك وجوب إكرام عالم فرض وجوده، وليس أمراً بإيجاد العالم ـ إن لم يكن موجوداً ـ وإكرامه. وما نحن فيه من هذا القبيل؛ حيث إنّه جعل البناء متعلّقاً للأمر واليقين متعلقاً لهذا المتعلق(1)، بخلاف مالو قال: حصّل اليقين؛ فإنّه لو قال هكذا كان تحصيل اليقين بنفسه متعلّقاً للأمر.

وأمّا الاحتمال الثاني والثالث فالتحقيق: أنّه إذا دار أمر هذه العبارة بين هذين المعنيين فالثالث هو المتعيّن.

توضيحه: أن هذه الجملة ـ كما عرفت ـ تستبطن فرض يقين مفروغاً عنه يُبنى عليه العمل، وهذا اليقين المستبطن في الكلام هل هو مستبطن في جانب الشرط، أي قوله: «إذا شككت»، أو في جانب الجزاء، أيّ: قوله: «فابنِ على اليقين»؟ الظاهر عرفاً هو الأوّل دون الثاني؛ وذلك لأنّ الجزاء في نظر العرف لا يحلّل بنفسه إلى قضية شرطيّة تجعل هي جزاء للشرط الأوّل، بأن يصبح معنى الكلام في المقام هكذا: (إذا شككت فابنِ على اليقين إن كان لك يقين) وإنّما المفهوم عرفاً أنّ كل شرائط هذا الجزاء فرغ عنها في جانب الشرط، ثمّ رتّب على ذلك الجزاء. وعليه، فاليقين في المقام مستبطن في جانب الشرط، فيصبح معنى الكلام:


(1) لا يخفى أنّ مجرّد جعل الشيء متعلّقاً للمتعلّق ليس دليلاً على كونه موضوعاً بالمعنى المصطلح للمحقّق النائيني(رحمه الله)، أو قل: على كونه مقدّر الوجود، فقد يُجعل متعلّق للمتعلّق بداعي تحصيص المتعلّق، فلو قال مثلاً: أكرم العالم بالخُبز نرى أنّه يفهم عرفاً أنّ العالم موضوع، وأنّه لا يجب إيجاده إن لم يكن موجوداً، ولكن الخُبز الذي هو ـ أيضاً ـ متعلّق للمتعلق ليس إلاّ محصّصاً للإكرام، ويجب عليه طبخ الخبز وصنعه إن لم يكن مطبوخاً ومصنوعاً. ولو قال: صلِّ على إحدى الموادّ الفلانية (أي التي يصحّ السجود عليها) ولم يكن يمتلك شيئاً منها، ولكن كان بإمكانه إيجاد بعضها، وجب عليه إيجاده لكي تصحّ صلاته، ويبدو أنّ المسألة دائرة مدار المناسبات العرفيّة، أو المناسبات الشرعية والمتشرعية المؤثّرة في ظواهر الألفاظ.