المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

150

وفيه: أنّه إن اُريد فرض الترتّب الرتبي بين اليقين والشكّ فمن الواضح أنّهما حالتان نفسيّتان في عرض واحد، ولا ترتّب بينهما، وإن اُريد حمل الفاء في قوله: (فليمض على يقينه) على الترتّب الرتبي، أي: أنّ الحكم بالمضيّ متأخّر رتبةً عن اليقين، فمن الواضح أنّ الإشكال لم يكن هنا، وإنّما الإشكال في أنّه يستفاد من قوله: (من كان على يقين فشكّ) تأخّر الشكّ عن اليقين.

الأمر الثالث: ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله)(1) من أنّ اليقين والشكّ بما لهما من المرآتيّة والفناء في متعلّقيهما يكتسبان صفة متعلّقيهما، وبهذا الاعتبار نسب إليهما ما لمتعلّقيهما من تقدّم وتأخرّ.

وفيه: أنّ فناء العنوان في المعنون إنّما يكون بمعنى اتّحادهما بالحمل الأوّلي وإن اختلفا بالحمل الشائع، فحينما يحكم على النار بالحرارة يحكم في الحقيقة على الصورة الذهنية بها باعتبار فنائها في النار الخارجية، بمعنى كونها بالحمل الأوّلي ناراً وإن كانت بالحمل الشائع صورة ذهنية للنار، لا ناراً خارجية. وهذا المطلب صادق في باب اليقين والعلم ونحوه بالنسبة للمصاديق، فمن يعلم بمجيء زيد مثلاً صحّ القول بالنسبة لهذا المصداق من العلم أنّ صورته العلمية بالحمل الأوّلي هي مجيء زيد وإن كانت بالحمل الثانوي صورة ذهنية، ولا يصدق ذلك بالنسبة للمفاهيم، فمفهوم اليقين أو الشكّ الموجود في كلام الإمام(عليه السلام) لا يكون فانياً في المتيقّن أو المشكوك لعدم اتّحادهما معهما بالحمل الأوّلي.

وإذا فرض أنّ مقصود المحقّق الخراساني(رحمه الله) هو أنّ اليقين والشك في كلامه(عليه السلام) لمّا كانا مفهومين للمصداق الفاني في معنونه ومرآتين له صحّ أن ينسب إليهما عرفاً ما للمتيقّن والمشكوك، قلنا: إنّ هذا ـ أيضاً ـ غير صحيح؛ فإنّ الإنسان العرفي لو تيقّن في يوم السبت بعدالة زيد في يوم الجمعة وشكّ مقارناً ليقينه في عدالته يوم السبت لا يقول: كان لي يقين فشككت، ولو قيل له:(كان لك يقين فشككت) يقول: لا، بل حصل لي الآن اليقين والشكّ(2).

 


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 296 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقة المشكيني.

(2) توضيح الكلام في مقالة المحقّق الخراساني(رحمه الله) وجوابه:

إنّ مقالة المحقّق الخراساني(رحمه الله) قد تبقى على ظاهرها البسيط، وهو أنّ اليقين مرآة الى المتيقّن، باعتبار أنّ صاحب اليقين يرى به المتيقّن، إذن فيكتسب لون المتيقّن.