المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

152

النظر يقال عرفاً: إنّه قد مات اليقين؛ ولذا نرى أنّ شخصاً علم بعدالة زيد ثمّ احتمل زوالها يقول ـ بلا أن يُحَسّ بأيّ مؤونة ـ: كنتُ على يقين من عدالة زيد والآن قد زال يقيني. وإلغاء خصوصيّة الزمان وتجريد المتيقّن والمشكوك عنه هو أحد الوجوه التي يصحّح بها صدق النقض في روايات الاستصحاب، حيث يقال: كيف فرض العمل بالشكّ نقضاً لليقين مع أنّ اليقين بحسب الواقع تعلّق بشيء وهو الحدوث، والشكّ تعلّق بشيء آخر وهو البقاء؟ فيجاب على ذلك بوجوه، منها: أنّه قد غضّ النظر عن الزمان وخصوصية الحدوث والبقاء، ولوحظ اليقين والشكّ متعلّقين بذات الطبيعة.

نعم، بناءً على هذا الذي ذكرناه يبقى إشكال: أنّ هذا لا ينطبق على تمام موارد الاستصحاب، ويختصّ بما إذا كان الشكّ بعد اليقين لا قبله، أو معاصراً له، بل هذا الإشكال يجري في كلّ روايات الاستصحاب لو فسّرنا إسناد النقض بهذا التفسير، أي: بتفسير غضّ النظر عن زمان المتيقّن والمشكوك، فإنّه عندئذ يقال ـ لدى كون الشك معاصراً لليقين او متقدماً عليه ـ: إنّه لو لم يجرّد المتعلّق عن الزمان لم يصدق النقض، فلا تشمله الروايات، ولو جرّد عنه لم يكن اليقين بهذا النظر التجريدي موجوداً في وقت من الأوقات أصلاً؛ إذ مع الشكّ لا يقين بهذا النظر حسب الفرض، وقبله لم يكن متيقّناً بشيء، وعندئذ لا بدّ من دفع هذا الإشكال بمسألة التعميم بالارتكاز العرفي.

إن قلت: كيف يعمّم بالارتكاز العرفي مع أنّ احتمال دخل صدق النقض في جريان الاستصحاب موجود، ولا يصدق النقض إذا كان الشكّ قبل اليقين أو معه؛ لما بُيّن من أنّه مع التجريد لا يوجد يقين، وبدون التجريد لا يوجد نقض.

قلت: إنّ ما ذكر من أنّه لا بدّ من التجريد حتّى يصدق النقض إنّما هو بيان لنكتة مربوطة بعالم العبارة والتعبير، فيقال: إنّ التعبير بالنقض لا يستلطف عرفاً مثلاً إلاّ إذا فرض التجريد عن الزمان، حتّى يُرى تعلّق الشكّ بعين ما تعلّق به اليقين، وذلك لا يفيد إلاّ إذا كان الشكّ بعد اليقين. وأمّا حاقّ المطلب وواقعه الذي باعتباره يدّعى ارتكاز التعميم، فلا فرق فيه في نظر العرف بين فرض الشكّ بعد اليقين أو وجوده من قبل أو معاصراً معه.

الظهور الثاني: ما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره)(1) والسيّد الاُستاذ(2) من أنّ قوله: «فليمضِ


(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 372. وفوائد الاُصول: ج 4، ص 365 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) راجع المصباح: ج 3، ص 66.