المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

154

ويرد عليه: أنّ هذه الوحدة لو كانت مستفادة من التصريح، كأن يقول: (من تيقّن وشكّ في شيء واحد) مثلاً، فلعلّه أمكن استظهار الوحدة من جميع الجهات حتّى من جهة الزمان، ولكن ليس الأمر هكذا، وإنّما فهمت الوحدة في المقام بقرينة حذف المتعلّق، وتلك القرينة نسبتها إلى الوحدة من جميع الجهات والوحدة من غير جهة الزمان على حدٍّ سواء.

ومن هنا قد يعكس المطلب ويقال: إنّ قيد وحدة الزمان ننفيه بالإطلاق، ويكون ذلك في صالح الاستصحاب.

لا يقال: لا بدّ من قيد وحدة الزمان أو تعدده، وهما متباينان، فلا معنى للإطلاق(1).

فإنّه يقال: يمكن فرض عدم لحاظ شيء من القيدين، وذلك بعدم لحاظ الزمان رأساً على ما مضى من أنّه في باب اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء قد يُلغي العرف خصوصيّة الزمان، ويلحظ تعلّق اليقين والشكّ بذات الطبيعة فقط.

ويرد عليه: أنّ الإطلاق إنّما يجري في مورد تحدّد مقدار المدلول في عالم الإثبات في المرتبة السابقة على الإطلاق، فينفى بالإطلاق مقدار آخر من قيد يحتمل تحقّقه في عالم الثبوت، وذلك بأصالة تطابق عالم الثبوت وعالم الإثبات. وأمّا في المقام فمقدار المدلول في عالم الإثبات في المرتبة السابقة على الإطلاق غير معلوم؛ لما مضى من أنّ نسبة قرينة الحذف إلى الوحدة من جميع الجهات والوحدة من غير جهة الزمان على حدٍّ سواء.

ومن هنا قد يقال بالإجمال، كما اختاره المحقّق العراقي(قدس سره)(2)؛ لأنّه لا يدرى هل قصدت الوحدة من جميع الجهات حتى الزمان، أو من سائر الجهات غير الزمان، فتردّد الحديث بين قاعدة اليقين والاستصحاب.

ورفع الإجمال يكون بإبراز ظهور رابع في المقام، وهو ظهور كلمة اليقين والشك في اتّحادهما زماناً مع متعلّقهما، فمن قال مثلا: (أنا على يقين من عدالة زيد) يفهم منه أنّه على يقين من عدالته في الزمان الحاضر، ومن قال: (كنت في يوم الجمعة على يقين من عدالة زيد) لا يُسأل عن أنّه هل كنت على يقين من عدالته في نفس ذلك اليوم أو من عدالته في يوم آخر، وبما أنّ الحديث يظهر منه تقدّم اليقين على الشكّ فيظهر منه ـ لا محالة ـ تقدّم المتيقّن على المشكوك، وهذا لا يكون إلاّ في الاستصحاب.


(1) قد يقال: إنّ بالإمكان إلغاء كلا القيدين وفرض الرواية دالّة على الاستصحاب والقاعدة معاً.

(2) راجع المقالات: ج 2، ص 353 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي. ولكنّه اختار في نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 65 ظهور الرواية في الاستصحاب.