المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

157

تحدّد الصوم بالرؤية، وكذا ليس الإفطار عند الرؤية هو ما يحكم به الاستصحاب مباشرة، وإنّما يحكم الاستصحاب بحرمة الإفطار قبل الرؤية، وهذا بخلاف ما لو أخذنا بتفسير المحقّق الخراساني(رحمه الله)، فإنّ وجوب الصوم أو الإفطار متفرّع ابتداءً ـ عندئذ ـ على اليقين.

إلاّ أنّ تفسير المحقّق الخراساني(رحمه الله) خلاف الظاهر من وجوه، عمدتها وجهان:

الأوّل: هو الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرناها في مقام التعليق على كلام المحقّق النائيني(رحمه الله) حيث إنّه حمل(قدس سره) اليقين والشكّ على خصوص اليقين والشكّ بشهر رمضان وشوال لا جنس اليقين والشك، وهو خلاف الظاهر.

الثاني: أنّ حمل الدخول على المغايرة في الحكم ليس عرفياً، كأن يقول: الماء لا يدخله التراب، أي لا يلحقه حكم الماء في التطهير مثلاً، وهذا بخلاف حمله على النقض والإفساد؛ إذ باعتبار تضادّ اليقين والشكّ عرفاً يقال: إنّ إدخال الشكّ في اليقين إفساد له، ونقض وإخلال بتركيبه مثلاً، فيحكم تعبّداً بعدم دخول الشكّ في اليقين، أي: عدم إفساده له. وأمّا ما ذكره من إشراف الروايات للفقيه على القطع بما ذكره فغير صحيح، ولا توجد رواية واحدة تدلّ على موضوعية اليقين في المقام. وقوله: «إيّاك والظنّ والشكّ» ونحو ذلك لا يدلّ على موضوعيّة اليقين، بل يكون في مقام بيان أنّ قصد امتثال صوم شهر رمضان يجب أن يكون بنحو اليقين، فلا يصحّ الصوم بقصد صوم شهر رمضان مع الشكّ في دخول شهر رمضان.

ثمّ إنّ المحقق العراقي(رحمه الله) ذكر في المقام: أنّه لا يمكن حمل الحديث على الاستصحاب؛ لكونه مثبتاً؛ لأنّ وجوب الصوم ليس مترتّباً على ثبوت شهر رمضان بنحو مفاد كان التامّة حتى ينفى باستصحاب عدمه، ولا وجوب الإفطار مترتّب على ثبوت عيد الفطر بنحو مفاد كان التامّة حتّى ينفى باستصحاب عدمه، وإنما هما مترتّبان على كون الزمان الفعلي متّصفاً بكونه شهر رمضان، أو بكونه عيداً بنحو مفاد كان الناقصة، وسلب مفاد كان الناقصة باستصحاب عدم كان التامّة تمسّك بالاستصحاب المثبت، فحمله على ما ذكره المحقّق الخراساني(1).

أقول: أوّلاً: أنّ الاستصحاب المثبت إنّما لا يكون حجّة لقصور دليل حجّيّة الاستصحاب لا لديل على عدم حجّيّته، فلو تمّ هذا الحديث، وكان الاستصحاب فيه مثبتاً التزمنا بحجّيّة الاستصحاب المثبت.

وثانياً: أنّه سوف يأتي ـ إن شاء الله ـ في بحث الاستصحاب في الاُمور التدريجية بيان


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 136. ونهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 65 ـ 66.