المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

159

قال: «سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام) وأنا حاضر: إنّي اُعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام): صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه»(1).

فهذا الحديث قد علّل الحكم بوجود الحالة السابقة مع الشكّ اللاحق، فهو يدلّ على الاستصحاب.

وعيبه ما قد يقال بعدم دلالته على الاستصحاب في غير ما يكون من سنخ مورده، فهو يختصّ بدائرة باب الطهارة، ولا يدلّ على كون العلّة مطلق الحالة السابقة والشكّ اللاحق حتّى تثبت بذلك قاعدة كلّيّة.

إلاّ أنّ بالإمكان التعدّي عن هذه الدائرة بارتكازيّة الاستصحاب على الإطلاق، فيقال: إنّ ارتكازيّة الاستصحاب بدون اختصاصه بباب الطهارة تجعل العرف ينسبق إلى ذهنه من هذا الحديث التعليل بمطلق الحالة السابقة والشكّ اللاحق.

وقد يقال بابتلاء هذا الحديث بالتعارض مع حديث آخر عن عبدالله بن سنان، قال: «سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر، فيردّه، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلّي فيه حتّى يغسله»(2)، وعن خيران الخادم عن أبي عبدالله(عليه السلام) مثله(3).

والحلّ: أنّ النهي حينما يعارض نصّ الترخيص يحمل على الكراهة.

وفي هذا الحديث مكسبان غير موجودين في الأحاديث السابقة، يفيدان فيما يأتي، ولا بأس بالإشارة إليهما هنا:

1 ـ إنّه لم يؤخذ فيه اليقين السابق، وإنّما ذكر نفس الحالة السابقة، فما يذكر مثلاً من الإيراد في موارد استصحاب مؤدّى الأمارة من أنّ الأمارة لم تفد اليقين ـ لو تمّ بالقياس للروايات التي اُخذ فيها اليقين ـ ليس له مورد بلحاظ هذه الصحيحة(4).


(1) الوسائل: ج 2، باب 74 من النجاسات، ح 1، ص 521 بحسب طبعة آل البيت.

(2) نفس المصدر: ح 2.

(3) نفس المصدر: ح 2.

(4) وكذلك لو شكّك بلحاظ صحيحتي زرارة في إجراء الاستصحاب لدى تقدّم الشكّ أو تقارنه لليقين ولم يقبل بالتعدّي إلى ذلك بارتكاز عدم الفرق، لم يرد هذا الإشكال بلحاظ هذه الصحيحة.