المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

172

موضوعها الشكّ في طهارة هذا الخمر واقعاً، وهذه الطهارة الواقعية المترقّبة الثبوت غير مجعولة أصلاً، لا بهذا الجعل ولا بجعل آخر، فبهذا الجعل قد جعل الحكم الواقعي في بعض الموارد، ولم يجعل في بعض آخر، فلم يلزم جمع بين النقيضين.

الإيراد الرابع: ما ذكره ـ أيضاً ـ المحقّق النائيني(رحمه الله) من أنّه لو جمع في صدر الحديث بين الحكم الواقعي والظاهري لزم من ذلك أن يقصد بالعلم في ذيله وهو قوله: «حتى تعلم ...» العلم موضوعياً والعلم طريقياً؛ لأنّ الحكم الظاهري غايته العلم بنحو الموضوعية، والحكم الواقعي غايته ذات المعلوم وهي القذارة، وإنّما العلم اُخذ طريقياً(1).

وهذا الإشكال غير وارد على المحقّق الخراساني(رحمه الله)؛ لأنّه لا يجعل قوله: «حتى تعلم ...» غاية للحكم المذكور في الصدر، وإنّما يجعله غاية للاستمرار(2).

وقد اتّضح بكل ما ذكرناه أنّ جميع هذه الإيرادات لا ترد على مدّعى المحقّق الخراساني(رحمه الله): إمّا مطلقاً أو بعد تحويل تقريبه ممّا ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى ما ذكرناه نحن من استفادة الحكم الظاهري في طول التخصيص بالبيان المتقدّم.

وتحقيق الحال: أنّ مدّعى المحقّق الخراساني(رحمه الله) غير صحيح؛ لأنّه يرد عليه:

أوّلاً: أنّه إن اُخذ بتقريبنا، ففيه ما مضى من كون العام ظاهراً في الواقعية في عرض ظهوره في الإطلاق، فلا ترتفع المنافاة بينه وبين الخاصّ بإخراج خصوص صورة العلم، وإن اُخذ بتقريب المحقّق الخراساني(رحمه الله) ففيه عدم صحّة جعل الإطلاق جمعاً للقيود، لا ثبوتاً ولا إثباتاً، مضافاً إلى لزوم النظر إلى الحكم الواقعي بالنظر الإيجادي وبنظر الفراغ عنه في نفس الوقت.


(1) ما يظهر من التقريرين ليس هو الاستشكال بلزوم الجمع بين موضوعية العلم وطريقيّته، بل هو استبعاد إرادة الحكم الواقعي من الصدر باعتبار أنّ الذيل ظاهر في كون العلم بذاته غاية لا بما يكشف عنه من واقع المعلوم. وهذا لا ينسجم إلاّ مع الحكم الظاهري؛ لأنّ الحكم الواقعي لا يغيّى بالعلم بضدّ الحكم أو الموضوع، وإنّما يغيّى بتبدّل الواقع، فلا يمكن فرض العلم غاية له إلاّ بعنوان الطريقية، وهو خلاف الظاهر. راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 375، وفوائد الاُصول: ج 4، ص 369 ـ 370 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) لا يخفى أنّ فوائد الاُصول مشتمل على الالتفات إلى أنّه لو جعل قوله: «حتى تعلم» غاية للاستمرار، ارتفع الاستشكال بعدم كون العلم الموضوعي غاية للحكم الواقعي، ولكن اعترض على احتمال جعله غاية للاستمرار بأنّ هذا يعني قطع الغاية عمّا قبلها وجعلها جملة مستقلة بتقدير كلمة:(وتستمر طهارته أو حرمته ظاهراً) وهذا خلاف الظاهر. راجع الفوائد: ج 4، ص 371 بحسب الطبعة الماضية.

هذا. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ: أنّ جعل الغاية غاية للاستمرار تارةً يكون بمعنى فرض حذف أو تقدير في الكلام، واُخرى يكون بمعنى جعلها غاية لاستمرار مفهوم من نفس الكلام، ويأتي إبطال كلا الوجهين إن شاء الله.