المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

174

الحكم الواقعي.

وأمّا المقام الثاني: فقد عرفت أنّ المحقّق الخراساني(رحمه الله) ـ إضافة إلى استفادة الطهارة الواقعية والظاهرية معاً من الصدر ـ استفاد الاستصحاب من الذيل، وهنا يقع الكلام في أمرين:

الأوّل: في أصل استفادة الاستصحاب من الذيل.

والثاني: في أنّه: ما معنى الاستصحاب بالنسبة للحكم الواقعي والحكم الظاهري المستفادين معاً على ما هو المفروض عنده(قدس سره) من الصدر؟ وهل نفرض الذيل استصحاباً للحكم الواقعي فقط، أو لهما معاً، أم ماذا؟

أمّا الأمر الأوّل: فكأنّ المحقق الخراسانى(رحمه الله) يقول: إنّ كلمة(حتّى) بنفسها تدلّ على ثبوت استمرار في المقام، وإنّها غاية للاستمرار؛ لأنّ معنى جعل الغاية هو هذا، أي: إنّ الأمر الفلاني مستمرّ إلى كذا، فكأنّه قال: كلّ شيء طاهر، وطهارته مستمرّة إلى أن تعلم أنّه قذر، وحيث إنّ الغاية لهذا الاستمرار جعلت هي العلم لا شيئاً آخر، فلا محالة يكون هذا الاستمرار استمراراً تعبّدياً، ولا نعني بالاستصحاب إلاّ الاستمرار التعبّدي.

ويرد عليه: أنّنا إن قلنا: إنّ كلمة(حتّى) من قبيل كلمة(إلى) لا تدلّ بذاتها على الاستمرار، وإنّما الدالّ عليه نفس غائية ما بعده المستلزمة عقلاً للاستمرار، فلا معنىً لاستفادة جعل الاستمرار الاستصحابي المقيّد بغاية العلم من هذا الحديث، لأنّ الاستمرار إنّما فهم ثبوته في المقام بدليل عقلي وبالملازمة، ولم يكن مفاداً مطابقياً لنفس العبارة حتّى يقال: إنّ المتكلم قد جعل هذا الاستمرار، وقد أرجع القيد إليه، والظاهر من القيد رجوعه إلى ما يستفاد من نفس العبارة(1).

إن قلت: إنّ بالإمكان استفادة الاستمرار من العبارة، لكن لا من كلمة(حتّى) بل من كلمة(طاهر) في قوله: «كلّ شيء طاهر»، وذلك بقرينة الإطلاق ومقدّمات الحكمة الدالّة على عدم اختصاص الحكم بالزمان الأوّل.


(1) كأنّ المقصود من هذا الكلام هو أنّه إن اُريدت استفادة الاستصحاب بإرجاع القيد إلى الاستمرار بعد فرض دلالة الكلام على جعل الاستمرار، ورد عليه: أنّ الاستمرار لم يكن إلاّ استمراراً لنفس الحكم الأوّل فهم بالملازمة العقلية، ولم يكن مجعولاً مستقلاًّ يكون هو الاستصحاب، ولا جعل آخر في المقام. وإن اُريدت استفادة الاستصحاب بدعوى أنّ نفس القيد دليل على جعل آخر يعود القيد إلى مجعوله وهو الاستمرار، ورد عليه: أنّ الظاهر من القيد رجوعه إلى نفس ما يستفاد من العبارة، ولا يدلّ على جعل حكم جديد يرجع إليه.