المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

175

قلت: هذا الاستمرار ـ أيضاً ـ ليس مستفاداً من العبارة؛ لأنّ الإطلاق ومقدّمات الحكمة لا يُري الأفراد والحصص، وإنّما شأنه رفض القيود، فهو يدلّ على عدم أخذ قيد الزمان الأوّل في موضوع الحكم، فيعرف عقلاً ثبوت الاستمرار، لا أنّ المتكلّم قد ذكر الاستمرار ولو بقرينة الإطلاق حتّى يقال: إنّه قد جعل الاستمرار وأرجع القيد إليه.

وكذلك الحال لو أثبتنا إطلاق المغيّى بالغاية(1) لا بمقدمات الحكمة؛ إذ يوجد في باب المغيّى كلام حول أنّ إطلاق المغيّى هل يستفاد بقرينة مقدّمات الحكمة أو يستفاد بقرينة الغاية، فسواء أثبتنا الإطلاق بمقدّمات الحكمة أو بالغاية قلنا: إنّ الإطلاق الذي ينفي دخل زمان مخصوص يستلزم عقلاً الاستمرار، ولا يدلّ الكلام على جعل المولى للاستمرار وإرجاع القيد إليه.

وإن قلنا: إنّ كلمة(حتّى) تدلّ ابتداءً على الاستمرار، فقد يتراءى ـ عند ئذ ـ في بادئ الأمر أنّه قد استفيد الاستمرار من العبارة، وجعل مغيّىً بالعلم، فهذا جعلٌ للحكم الاستمراري التعبّدي المغيّى بالعلم، ولا نعني بالاستصحاب إلاّ هذا.

ولكن يرد عليه:

أوّلاً: أنّ كلمة(حتّى) إنّما تدلّ على الاستمرار بالمعنى الحرفي بنحو النسبة الناقصة، فهو إنّما يكون جزءاً تحليلياً للمعنى الاسمي لا يمكن لحاظه مستقلاًّ، والاستمرار الاستصحابي يكون عنائياً لا حقيقياً، وإذا كان كذلك فقد لوحظ ملاحظة مستقلّة، فإنّ إعمال العناية يكون ـ لا محالة ـ لحاظاً مستقلاًّ. وهذا خلف كونه جزءاً تحليليا يستحيل لحاظه. نعم، لو كان الاستمرار مستفاداً هنا بنحو المعنى الاسمي أو بنحو النسبة التامّة التي يمكن الالتفات إليها مستقلاًّ، لما ورد هذا الإشكال.

وثانياً: أنّ الاستمرار في المقام بعد أن كان جزءاً تحليلياً ومُفاداً بالمعنى الحرفي الناقص كان من المستحيل رجوع القيد إليه؛ لاستحالة رجوع القيد إلى المعاني الحرفية الناقصة؛ لأنّ إرجاع القيد إليها فرع لحاظها مستقلاًّ. وهذا من قبيل ما ذكره الشيخ(رحمه الله) في باب الواجب المشروط من استحالة رجوع الشرط إلى معنى الهيئة؛ لكونه معنىً حرفياً. إلاّ أنّ هذا الكلام في الواجب المشروط لم يكن صحيحاً لكون النسبة تامّة، وبالإمكان لحاظها مستقلةً، وهنا


(1) يبدو أنّ هذا عين الفرض السابق من كون الدالّ على الاستمرار نفس غائية الغاية المستلزمة عقلاً للاستمرار، ولعلّ ما يبدو من ظهور عبارة المتن من كون هذا فرضاً جديداً غير ما مضى في أوّل الكلام خطأ منّي لا من اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).