المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

189

الإشكال الثاني: عدم اتّصال زمان المشكوك وهو الساعة الثانية التي شكّ في وجوب الجلوس فيها بزمان اليقين بعدم الوجوب وهو ما قبل الساعة الاُولى؛ وذلك للفصل بالساعة الاُولى التي علم بالوجوب فيها.

وهذا ـ كما ترى ـ هو نفس الإشكال السابق بعد اختيار ظرفيّة الزمان، وجوابه على صيغة السيّد الاُستاذ واضح؛ فإنّه لا يحسب حساب الشكّ في المجعول، وإنّما يحسب حساب الشكّ في الجعل، فزمان المشكوك ممتدّ إلى أوائل الشريعة، وزمان المتيقّن هو أوائل الشريعة مثلاً التي نقطع فيها بأنّه لم يكن هذا الحكم مجعولاً، فإنّ جعول الأحكام ليست أزلية.

الإشكال الثالث: ما ذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) الذي التفت إلى إمكان توجيه كلام النراقي(قدس سره)باستصحاب عدم الجعل، ومحصّل الإشكال: أنّ استصحاب عدم الجعل لا يترتّب عليه أثر عقلي ولا شرعي: أمّا الأثر العقلي وهو التنجيز والتعذير فإنّما يرتبط بالمجعول لا بالجعل، فلو فرض محالاً تحقّق المجعول بدون الجعل حكم العقل بوجوب امتثاله، ولو فرض الجعل فقط ولم يصل إلى مرتبة الفعلية لم يحكم العقل بوجوب امتثاله. وأمّا الأثر الشرعي فأيضاً غير موجود، فإنّ ترتّب المجعول على الجعل عند تحقّق الموضوع إنّما هو من اللوازم العقلية، وليس أثراً شرعيّاً(1).

وكانت لسيّدنا الاُستاذ صياغات مختلفة في مقام ذكر الجواب على هذا الإشكال، لكنّ الصيغة المدرسيّة التي أعطاها في البحث على المستوى العامّ هي: أنّ العقل يحكم بذلك الأثر العقلي وهو التنجيز مهما ثبت شيئان وجداناً أو تعبداً، أو أحدهما وجداناً والآخر تعبداً: الأوّل: هو الجعل، والثاني: هو الموضوع، فمهما علم بجعل وجوب مثلاً على موضوع مع العلم بتحقّق ذلك الموضوع، حكم العقل لا محالة بوجوب الامتثال؛ لحصول الجعل مع موضوعه، وبنفي أحد هذين الشيئين ينتفي التنجيز لا محالة، فكما يُنفى التنجيز باستصحاب عدم الموضوع عند الشكّ فيه كذلك يُنفى التنجيز باستصحاب عدم الجعل عند الشكّ فيه(2).

الإشكال الرابع: ما أوردناه عليه، وهو: أنّ استصحاب عدم جعل الوجوب مثلاً معارَض باستصحاب آخر من سنخه وهو استصحاب عدم جعل الإباحة، ونحن نقطع بأنّ هذا إمّا مباح أو واجب، والسيّد الاُستاذ ملتزم بأنّ الإباحة حكم وجوديّ وليس مجرّد عدم الحكم.


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 183 و ص 447 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم. وأجود التقريرات: ج 2، ص 396 و 406.

(2) راجع مصباح الاصول: الجزء الثالث، ص 46.