المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

190

وأجاب على ذلك بأجوبة ثلاثة:

الأوّل: أنّه لو عورض استصحاب عدم جعل الوجوب باستصحاب عدم جعل الإباحة، لم يغيّر ذلك شيئاً من الموقف، وغاية ما في المقام: هي أنّ استصحاب عدم جعل الوجوب ابتلي بمعارضين: أحدهما: استصحاب عدم جعل الإباحة، والثاني: استصحاب بقاء المجعول، فتساقط الكلّ بالمعارضة.

الثاني: أنّ استصحاب عدم جعل الوجوب واستصحاب عدم جعل الإباحة لا يتعارضان؛ لعدم لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة من جريانهما، فإنّنا لم نعلم بحكم إلزامي، وإنّما علمنا بحكم مردّد بين كونه إلزامياً أو ترخيصيّاً، وهذا لا أثر له.

الثالث: أنّ استصحاب عدم جعل الإباحة غير جار؛ لانتقاضه باليقين بجعلها، فإنّه في أوّل الشريعة لم يوجب شيء غير الاعتراف بالتوحيد، فكان في أوّل الشريعة كلّ الأفعال مباحاً، وكل شيء طاهراً، فلا يمكن استصحاب عدم جعل الإباحة أو الطهارة(1).

وهناك جواب رابع، وهو: أنّ استصحاب عدم جعل الإباحة لا أثر له، فإنّ الأثر إنّما يترتّب على الوجوب وجوداً وعدماً.

وهذا الجواب ـ أيضاً ـ كان يريده لكنّه أخيراً وقع الاتّفاق بيننا وبينه على بطلانه، وسوف يتبيّن حاله ـ إن شاء الله ـ فيما يأتي(2).

ثمّ إنّنا قبل أن نشرع في تحقيق ما هو الصحيح في المقام نذكر نكات ثلاث حول شرح مقصود السيّد الاُستاذ.

النكتة الاولى: أنّ السيّد الاُستاذ لا يقصد باستصحاب عدم الجعل استصحاب عدم اللحاظ الزائد الذي لا يمكن توهّمه في المطلق، إلاّ بناءً على مبناه من كون تقابل الإطلاق والتقييد هوتقابل التضاد، وأمّا بناءً على مبنى المحقّق النائيني(رحمه الله) من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، وبناءً على مبنانا من كونه تقابل التناقض، فلا معنى لاستصحاب عدم المؤونة الزائدة اللحاظية؛ إذ لا توجد مؤونة زائدة لحاظية في الإطلاق، وإنّما القيد هو الذي يحتاج إلى مؤونة زائدة لحاظيّة، ولو كان هذا هو المقصود لورد عليه إشكال واضح، وهو: أنّ نسبة


(1) راجع نفس المصدر: ص 42 ـ 44.

(2) كأنّه إشارة إلى ما سوف يأتي ـ إن شاء الله ـ من أنّ استصحاب عدم جعل الإباحة يجوّز الإفتاء بعدم جعل الإباحة واقعاً بناءً على ما ذهب إليه السيّد الخوئي(رحمه الله) من أنّ الاستصحاب يصحّح الإفتاء بثبوت الحكم الثابت به واقعاً؛ لكونه علماً بذلك الحكم تعبّدا.