المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

194

النار موجودة في الخارج قد وجدت النار بوجود تقديري في عالم عقد القضية، ووجد المحمول وهي الحرارة بوجود تقديري ـ أيضاً ـ للموضوع، وحينما يوجد الموضوع وجوداً فعلياً في الخارج يوجد المحمول ـ أيضاً ـ وجوداً فعلياً، فصار لمحموله لونان من الوجود: الأوّل: وجود تقديري على الموضوع المقدّر الوجود، والثاني: وجود فعلي على الموضوع الفعلي الوجود. هذا حال القضايا الإخبارية، ومثلها تماماً القضايا الجعلية التي جعلت بنحو القضايا الحقيقية، فيحنما يقال: (الماء المتغيّر نجس) يوجد للماء المتغيّر وجود تقديري في عالم الجعل، وللنجاسة ـ أيضاً ـ وجود تقديري ثابت لذلك الموضوع المقدّر الوجود، وحينما يوجد الماء المتغيّر في الخارج بالفعل يوجد المحمول وهو النجاسة وجوداً فعلياً ثابتاً لذلك الموضوع. إذن فصار للحكم وجودان: وجود تقديري ثابت للموضوع المقدر الوجود، وهذا ما نسمّيه بالجعل، ووجود فعلي يتحقّق عند فعلية الموضوع، وهذا ما نسمّيه بالمجعول. والمجعول إنّما يوجد عند وجود الجعل والموضوع معاً، لا بمجرّد وجود الجعل، ومن الواضح أنّ وجوب الجلوس في الساعة الثانية إنّما يصبح فعلياً بعد فعلية وجوبه في الساعة الاُولى، وليس في عرض الحصّة الحدوثية كما ذكر في الإشكال، ويكون للمجعول ـ لا محالة ـ حدوث وبقاء.

ويرد عليه ما أوضحناه في محلّه من عدم تحقّق وجود ثان للحكم عند وجود الموضوع. ونقول هنا بنحو الإجمال: إنّ قياس باب القضايا الجعليّة بالقضايا الإخباريّة غير صحيح، فإنّ الحكم الذي وجد بالجعل والاعتبار لا يوجد وجوداً ثانياً عند تحقّق الموضوع خارجاً؛ إذ لو وجد وجوداً ثانياً عند وجود الموضوع فهل هو وجود تكويني أو وجود جعلي واعتباري؟ فإن قيل بالوجود التكويني فهو واضح البطلان، فإنّ الحكم ليس له وجود تكويني خارجي. وإن قيل بالوجود الاعتباري والجعلي فهذا أوضح بطلاناً، فإنّ المولى لا ينقدح في نفسه عند وجود الموضوع أيّ اعتبار جديد، وقد يكون نائماً، أو غافلاً عند وجود الموضوع، أو غير مطّلع على وجوده، وعدم تغيّر حال المولى النفساني بمجرّد وجود الموضوع خارجاً ثابت بالوجدان، كما هو ثابت ـ أيضاً ـ بالحكم العقلي الحاكم باستحالة تأثير الشيء الخارجي بما هو خارجي في عالم النفس، وعليه فالحكم إنّما يوجد عند الجعل، وليس له وجود ثان وراء ذاك الوجود التقديري يتحقق عند تحقق الموضوع، فرجع الإشكال؛ إذ يقال تعميقاً للإشكال: هل يقصد باستصحاب بقاء الحكم استصحاب ذاك الوجود التقديري للحكم المسمّى بالوجود الجعلي؛ أو يقصد استصحاب الوجود الفعلي