المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

20

وذكر السيّد بحر العلوم(قدس سره): أنّه لا وجه للتفكيك بين خبر الثقة و الاستصحاب، ففي الاستصحاب ـ أيضاً ـ نقول بأنّ المعارض هو خصوص الاستصحابات الجزئية في الموارد الجزئية، فعند تعارض الاستصحاب مع قاعدة الحلّ نخصّص قاعدة الحلّ بالاستصحاب، و لا نلحظ النسبة بين قوله:«كل شيء حلال حتّى تعرف...» و دليل الاستصحاب.

فكأنّه(قدس سره) يرى إلحاق الاستصحاب فقط بخبر الثقة في هذه الجهة، و لا يرى إلحاق أصالة الحلّ به، و لعلّه ينظر ـ و لو ارتكازاً - في تفكيكه بين أصالة الحلّ و الاستصحاب إلى ما سوف يأتي ـ إن شاء الله ـ من بعض الأصحاب المتأخرين.

وأعترض الشيخ الأعظم(قدس سره)(1) على السيّد بحر العلوم(رحمه الله) بأنّ الاستصحاب ليس كخبر الثقة، فإنّ الاستصحاب بنفسه حكم ببقاء ما كان، فلا معنى لأن يجعل دليلاً على الحكم. و هذا بخلاف خبر الثقة، فإنّه ليس حكماً و إنّما هو دليل على الحكم.

أقول: إنّ هذا الكلام بهذا المقدار لا يحسم أصل الإشكال، فإنّنا ننقل الكلام إلى اليقين السابق مثلاً الذي هو أمارة على البقاء، فإنّه هو الذي يكون بمنزلة خبر الثقة لا الحكم بالبقاء الذي هو بمنزلة حجّيّة خبر الثقة.

ولعله لهذا ذهب بعض الأصحاب المتأخرين(2) الى موافقة السيّد بحر العلوم(رحمه الله)فقال كلاماً ينبىء عن موافقته إيّاه، يفصّل فيه بين تجريد الاستصحاب عن الأماريّة رأساً و إعطائه لوناً من الأماريّة، و أحتمل أن يكون مقصوده من ذاك الكلام هو: أنّ الاستصحاب إن لم يكن فيه شوب من الأماريّة و كان أصلاً صِرفاً كأصالة الحلّ، لم يكن حاله حال خبر الثقة لأنّه حكم صِرف، و ليس كاشفاً عن الحكم، لكن بما أنّه ليس كذلك، بل فيه لون من الأماريّة و لو بنحو التنزيل مثلاً، فهو دليل، فحاله حال خبر الثقة.

أقول: إنّ تقديم خبر الثقة على العامّ المعارض له ليس بملاك أماريّته، بحيث كلّما تعارضت أمارتان إحداهما أخصّ من الاُخرى قُدّمت الأخصّ، فلو تعارضت بيّنتان إحداهما أخصّ لا يجمع بينهما بالتخصيص، بل يعامل معهما معاملة البيّنتين المتعارضتين، و إنّما الملاك في ذلك هو: أنّ العامّ و الخاصّ كلاهما كلام صادر من شخص واحد يكون أحدهما قرينة على مراد متكلّمه من الآخر، و كان موضوع حجّيّة ظهور الأوّل عدم ورود القرينة


(1) راجع الرسائل؛ ص 320 بحسب طبعة رحمة الله.

(2) يقصد به السيّد الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه).