المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

201

إشكال تعارض استصحاب المجعول مع استصحاب عدم الجعل:

وهنا ننتقل إلى البحث عن إشكال المعارضة بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل الذي ذكره السيد الاُستاذ فنقول: إنّ منطقة الفراغ في كلامه وهي تحقيق كيفيّة جريان استصحاب المجعول لو مُلِئَت بهذا الوجه الثالث فمن الواضح أنّه لا موضوع للتعارض بين استصحاب عدم الجعل واستصحاب بقاء المجعول؛ إذ لو فرض أنّ العرف لا يتسامح في نظره إلى ما اعتبره الشارع من نجاسة الماء المتغيّر مثلاً فيحكم عليه بالحمل الشائع، إذن لا يجري إلاّ استصحاب العدم بلحاظ الحمل الشائع، لا استصحاب البقاء بلحاظ الحمل الأوّلي، وبلُغَة السيّد الاُستاذ: يجري استصحاب عدم الجعل لا استصحاب بقاء المجعول. ولو فرض


استصحاب المجعول، وهذا غير الوجه الذي اخترتموه.

أما ما أبطل(رضوان الله عليه) به هذا الوجه كوجه مستقل غير الوجه المختار له فهو ما يلي:

هل يقصد بالطرفيّة للجعل الطرفيّة له في نظرة الحمل الأوّلي إليه، حيث إنّ عنوان الماء المتغيّر مثلاً يرى في هذه النظرة عين المصداق، أو يقصد بها الطرفيّة في نظر الحكم بالحمل الشائع على هذا المصداق بمثل قولنا: هذا الماء المتغيّر نجس؟

إن قصد الأوّل فقد اُعملت عناية الحمل الاوّلي، أي: اُعملت عناية الجواب المختار لنا، وعندئذ نقول: إن كان المقصود بالطرفيّة الطرفيّة بالمعنى الاسمي فليس لها أثر حتى يستصحب. وإن كان المقصود الطرفية بالمعنى الحرفي، أي: استصحاب النسبة الثابتة في نظرة الحمل الأوّلي، فهو في الحقيقة استصحاب للحكم الملحوظ بالحمل الأوّلي، إذن فقد رجعنا إلى الجواب المختار.

وإن قصد الثاني وهو الطرفيّة للحكم في مثل قولنا:(هذا الماء نجس) قلنا: إن اُريد بذلك كون هذا الفرد طرفاً للحكم مباشرة لا بواسطة المفهوم العام للموضوع، فهذا خلف فرض وجود الجعل قبل وجود الموضوع، أو خلف فرض عدم وجود ثان للحكم اسمه المجعول يتعلّق بالمصداق الخارجي. وإن اُريد بذلك استصحاب كون هذا الفرد مصداقاً لما هو طرف الحكم وهو المفهوم الذي جعل موضوعاً. قلنا: إنّ المقصود بذلك: إمّا هو مصداقيّته لواقع الموضوع، أو مصداقيّته لعنوان الموضوع. فعلى الأوّل يكون ذلك من قبيل الفرد المردّد، فإنّ واقع الموضوع مردّد بين ما نقطع بعدم مصداقيّة هذا الفرد له وما نقطع بمصداقيّته له، فواقع الموضوع: إمّا هو المآء المتغيّر الثابت تغيّره بالفعل وهذا ما نقطع بعدم كون هذا الفرد مصداقاً له، أو هو الماء المتغيّر حتّى بعد زوال التغيّر ما لم يتّصل بالمعتصم، وهذا ما نقطع بكون هذا الفرد مصداقاً له، وعلى الثاني نقول: لا أثر لمصداقيّته لعنوان الموضوع كما هو واضح.

ولذا قالوا: لا يجري استصحاب الموضوع في الشبهات الحكمية لا واقعه ولا عنوانه.

على أنّ طرفيّة الماء الخارجي للحكم في نظر الحكم بالحمل الشائع عليه بقولنا:(هذا الماء نجس) والتي يمكن أن يتصور لها قطع بالحدوث وشكّ في البقاء إنّما تتحقّق بعد وجود الموضوع خارجاً، فلا بدّ للفقيه أن ينتظر زمان العلم بتحقّق الموضوع لكي يجري الاستصحاب، فيأتي هنا إشكال مخالفة الارتكاز والابتلاء بمشكلة ضرورة الاطّلاع على الموضوع لدى الإفتاء على بعض المباني.