المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

204

فالفقيه حينما يثبت حكماً بالاستصحاب أو الأمارة يجوز له أن يفتي بثبوت ذلك الحكم واقعاً؛ لأنّه عالم تعبّداً بذلك، وبهذا صَحَّح استنباط الفقيه لمسائل غير داخلة في محلّ ابتلائه، كمسائل الحيض والاستحاضة حيث يقول: إنّها تدخل في محل ابتلائه بلحاظ الافتاء. وبناءً على هذا المبنى نقول في المقام: إنّ استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الإباحة يترتّب عليهما جواز الإفتاء بعدم جعل الحرمة وعدم جعل الإباحة واقعاً، وهذه مخالفة عملية قطعية، إذن يتعارض الأصلان ويتساقطان.

ويمكن الإجابة على هذا الإشكال بوجهين:

الوجه الأوّل: ما لا اتذكّر أنّه هل ذكره السيّد الاُستاذ جواباً على ما أوردته عليه من هذا الإشكال أو لا، وهو: أن تطبّق في المقام قاعدة ميرزائية بأن يقال: إنّ الأصلين يوجد لهما أثر مشترك، وهو جواز الإفتاء ويوجد لأحدهما فقط أثر زائد، وهو التعذير في مقام العمل. وفي مثل المقام يجري الأصل بلحاظ ذلك الأثر الزائد، وإنّما يتساقطان بلحاظ الأثر المشترك، فعندئذ نقول: إنّ هذا الأصل بلحاظ الأثر الزائد يقع طرفاً للتعارض مع استصحاب المجعول.

وفيه ما حقّقناه في محله من بطلان هذه القاعدة الميرزائية؛ لانحلال ما يسمّى بالأثر الواحد في الحقيقة إلى أثرين متباينين، فجواز الافتاء بعدم الإباحة أثر، وجواز الإفتاء بعدم الحرمة أثر آخر، فيقع التعارض بين دلالة الأصل على جواز الإفتاء بالأوّل، أي: إسناده إلى الله ودلالة الأصل على التعذير، كما يقع التعارض بين دلالة الأصل على جواز الإفتاء بالأوّل ودلالته على جواز الإفتاء بالثاني، ويسقط الكلّ وتصل النوبة بعد تحقّق الموضوع خارجاً إلى استصحاب بقاء المجعول.

الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الاُستاذ جواباً على ما أوردته عليه من هذا الإشكال، وهو كأنّه جواب نقضي، وهو أنّ العلم الإجمالي بمخالفة الإفتاء للواقع من دون أداء إلى المخالفة العملية لا أثر له أصلاً، وأنّ حرمة الإسناد ليست أثراً موجباً لتساقط الأدلّة والاُصول، وإلاّ لمُنِع كلّ فقيه عن الإفتاء في تمام الفقه رأساً؛ لأنّ الفقيه بعد أن ينتهي من استنباطاته في الفقه يرى إجمالاً الخطأ في بعضها، لا بمعنى الخطأ في الاستنباط، بل هو يعلم بصحّة استنباطاته بمعنى أنّه طبّق القواعد والأدلّة في تمام الموارد بشكل صحيح، بل بمعنى أنّه يعلم أو يطمئنّ إجمالاً بأنّ نتيجة القواعد والأدلّة في بعض الموارد تكون مخالفة للواقع.

أقول: تارةً يفرض أنّ الفقيه بعد استنباطه للمسائل يحصل له الاطمئنان بمخالفة بعض فتاواه للواقع، واُخرى يفرض أنّه يحصل له العلم الوجداني بذلك: