المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

206

خصوص الترخيصيات، واُخرى في خصوص الإلزاميات، وثالثة في الجامع بين الترخيصيات والإلزاميات. فإن فُرِض الأوّل فهذا اطمئنان إجمالي بحكم الزامي في موارد ثبوت الترخيص، وهذا ـ كما ترى ـ أثره عملي وليس أثره مجرّد حرمة الإفتاء. وإن فرض الثاني، أي: الاطمئنان في الإلزاميات، فهذا اطمئنان بكذب إحدى الأمارات الإلزامية؛ لأنّ الإلزام في الشبهات الحكمية: إمّا يثبت بالأمارة، أو بالاستصحاب، والمفروض لدى السيّد الاُستاذ أنّه لا يقول بالاستصحاب في الشبهات الحكمية، إذن فالإلزاميات كلّها ثبتت بالأمارة، فالاطمئنان بكذب إحداها يوجب تعارضها وتساقطها؛ لأنّها بدلالاتها الالتزامية يقع التكاذب بينها. وإن فرض الثالث، أي: الاطمئنان بوجود ما يخالف الواقع في مجموع الإلزاميات والترخيصيات، إذن فبما أنّ الإلزاميات كلّها ثبتت بالأمارات تُثبت بالدلالة الالتزامية أنّ مخالفة الواقع وقعت في الترخيصيات، ويصبح حال هذا الفرض حال الفرض الأوّل.

وقد أوردتُ هذا الإشكال على السيّد الاُستاذ ولم أكن وقتئذ مقسِّماً للبحث إلى فرض دعوى الاطمئنان تارة ودعوى العلم الوجداني اُخرى، فتراجع الأستاذ عن القول بثبوت العلم أو الاطمئنان الإجمالي بكذب بعض الفتاوى، وقال: إنّ هذا شيء يتراءى في بادئ الأمر ويزول بالتأمّل.

وثالثاً: إنّ هذا الاطمئنان لا حجّيّة له، وهذا هو الخلل الذي كان الأولى للسيّد الاُستاذ أن يستكشفه بدلاً عن استكشاف عدم تأثير لحرمة الإسناد. والوجه في عدم حجّيّته هو أنّ مدرك حجّيّة الاطمئنان هو السيرة العقلائية، ولا يوجد مثل هذه السيرة في اطمئنان إجمالي ذي أطراف غير محصورة، والاطمئنان في المقام من هذا القبيل، فإنّه إنّما نشأ هذا الاطمئنان من تجمّع احتمالات الخلاف من أطراف كثيرة جداً.

وإن ادّعي العلم الوجداني بمخالفة إحدى الفتاوى للواقع مع الاعتراف بعدم حجّيّة الاطمئنان في مثل المقام، لم يرد إشكالنا الثاني من الإشكالات التي أوردناها على فرض دعوى الاطمئنان؛ إذ يمكن دعوى العلم بوجود المخالفة للواقع في مجموع الإلزاميات والترخيصيات مع إنكار حجّيّة الدلالة الالتزامية لأدلّة الإلزاميات المثبتة لوقوع الخلل في الترخيصيات؛ لأنّ هذه الدلالة الالتزامية ـ أيضاً ـ إنّما ثبتت حجّيّتها بالسيرة العقلائية كالاطمئنان، وثبوت السيرة العقلائية في مثل المقام الذي تكون أطراف الشبهة فيه غير محصورة ممنوع.