المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

207

كما لا يرد ـ أيضاً ـ إشكالنا الثالث بناءً على مبنى السيّد الاُستاذ من حجّيّة العلم الإجمالي حتّى إذا كانت أطرافه غير محصورة. نعم، على مبنانا يسجّل هذا الإشكال؛ إذ نحن لا نرى العلم الإجمالي مع كون الأطراف غير محصورة منجّزاً.

وأمّا الإشكال الأوّل فهو مسجّل على أيّ حال، فهذا العلم لو كان تنجيزه بلحاظ حرمة الإسناد كذباً إلى الله كان بإمكان الفقيه أن يفتي بالحكم الظاهري دون الواقعي كما مضى بيانه.

ويرد هنا إشكال آخر أيضاً، وهو إنكار مثل هذا العلم الوجداني في حقّ فقيه لا يُكثِرُ من الإفتاء على خلاف الظنّ، وإلاّ للزم أنّه لو التفت هذا الفقيه إلى كلّ صورة من الصور المعقولة لتأليف رسالة تشمل جميع موارد استنباطه من دون أن يُفتي في أيّ مسألة من مسائل تلك الرسالة بما يقطع بكونه خلاف الواقع، حصل له القطع بأنّ هذه الرسالة ليست بمجموعها مطابقة للواقع، مع أنّه يعلم إجمالاً بمطابقة إحداها للواقع.

بقي شيء: وهو أنّ أصل الإشكال الذي أوردناه على السيّد الاُستاذ من تعارض استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الإباحة؛ لثبوت الأثر بلحاظ الإفتاء والإسناد إلى الله تعالى إنّما يرد بناءً على حرمة نفس الإسناد غير المطابق للواقع إليه تعالى، وأمّا إن لم نقل بحرمة ذلك، وإنّما قلنا بحرمة إسناد ما لم يعلم أنّه من الله إلى الله، وبحرمة إسناد ما علم أنّه ليس من الله إلى الله، فهذا الإشكال غير وارد عليه.

أمّا بلحاظ حرمة إسناد ما لم يعلم أنّه من الله إلى الله، فلأنّ المفروض عنده أنّ دليل استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الإباحة يرفع موضوع هذه الحرمة، فيقطع بعدم حرمة هذين الإسنادين، ولا يضرّ العلم الإجمالي بكذب أحدهما واقعاً؛ لأنّ موضوع الحرمة لم يكن هو الكذب الواقعي حسب الفرض.

وأمّا بلحاظ حرمة إسناد ما علم أنّه ليس من الله إلى الله، فلأنّه وإن كان يفهم العرف من دليل يدلّ على ذلك أنّه لو علم إجمالاً بكذب أحد أمرين فكلّ واحد منهما وإن لم يعلم أنّه ليس من الله، لكن إسناد كليهما إليه غير جائز، فكأنّ العرف يرى أنّ إسناد المجموع إليه إسناد لشيء يعلم أنّه ليس منه إليه؛ لأنّنا نعلم عدم ورود كليهما منه، لكن هذا لا يستلزم سقوط استصحاب عدم الحرمة نهائيّاً بمعارضته لاستصحاب عدم الإباحة؛ وذلك لأنّهما وإن كانا يتساقطان بالنسبة لإثبات جواز الإفتاء؛ إذ يلزم من الجمع بينهما جواز إسناد كليهما والإفتاء بكلّ من عدم الحرمة وعدم الإباحة، وهذا ممّا يعلم أنّه ليس من الله، ولكنّ