المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

208

استصحاب عدم الحرمة له أثر آخر، وهو التعذير(1)، والاستصحاب بلحاظ هذا الأثر لا يعارض استصحاب عدم الإباحة؛ إذ لا نعلم إجمالاً: إمّا بكون هذا الشيء حراماً أو بحرمة إسناد عدم إباحته إلى الله؛ إذ لم يكن موضوع الحرمة هو الإسناد الذي يكون في الواقع كذباً، فيجري استصحاب عدم جعل الحرمة بهذا اللحاظ، ويبقى ليصبح معارضاً عند تحقّق الموضوع خارجاً لاستصحاب بقاء الحرمة.

ولكنّ هذا البيان يبتني على أحد أمرين:

الأوّل: أن يُعترف بعرفية التفكيك بين الآثار في الاستصحاب، بمعنى كون دليل الاستصحاب وافياً للنظر إلى بعض الآثار بعد فرض سقوطه بالنظر إلى بعض الآثار الاُخرى، وأن لا نقول: إنّ لسان الكشف والحكم بعدم انتقاض اليقين مثلاً يأبى عن التفكيك في النظر إلى الآثار بالتعبّد بها بين بعض الآثار وبعض.

والثاني: أن يفرض أنّ حكومة الاستصحاب على أحكام العلم الموضوعي حكومة اتوماتيكية ثابتة تكويناً بخلق فرد جديد من العلم، وهو العلم التعبّدي من دون أن ينظر المولى في دليل الاستصحاب إلى آثار العلم الموضوعي، فسقوط الاستصحاب هنا عن قابلية الحكومة على أحكام العلم الموضوعي مع جريانه في نفس الوقت لإثبات الأثر العلمي ليس عبارة عن التفكيك في التعبّد بين الآثار، حتّى يقال بعدم جواز التفكيك بينهما عرفاً.

الجواب الثالث: أنّ استصحاب عدم جعل الإباحة غير جار لانتقاضه باليقين بجعلها في أوّل الشريعة.

وقد اعترضتُ على السيّد الاُستاذ بأنّ الإباحة وإن كانت مجعوله في أوّل الشريعة، لكن الشكّ في بقائها إلى الآن في الحقيقة شكّ في النسخ وعدمه، وأنتم تقولون في الشكّ في النسخ: إنّ استصحاب عدم النسخ، أي: استصحاب بقاء المنسوخ معارض باستصحاب عدم جعل الحصّة الزائدة من الحكم، إذن ففي المقام يجري استصحاب عدم جعل الحصّة الزائدة من الإباحة، ويعارض استصحاب عدم جعل الحرمة.

فأجاب: بأنّ استصحاب عدم الحرمة حاكم على استصحاب عدم جعل الحصّة الزائدة


(1) أفاد(رحمه الله): أنّ هذا فيما لو لم يكن أثره منحصراً في الإفتاء، كما لو كانت المسألة من مسائل الحيض غير المرتبطة بالفقيه.